للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فإن قيل: إنّا إذا حملناه على المرض صار كأن الله تعالى قال: فإن مرضتم فما استيسر من الهدي فلا يسبق الأوهام حينئذٍ إلى العدو قلنا: لا كذلك، فإن الإِحْصَار في اللغة ليس بعبارة عن المرض، بل عن منع يكون بالمرض، فيكون المنع علة، والمرض سبباً، فصار كأن الله تعالى قال: فإن مُنعتم بمرض (١) فما استيسر، فيدل على المنع بالعدو، ولأن المنع موجود أيضًا في الحالين، وبالعدو أشد على ما ذكرنا، فإن قيل: أن الله تعالى نسق به {فَمَنْ كَانَ … مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} (٢)، ولو كان أحصرتم عبارة عن المرض لم يستقم نسق المرض به.

ثانيًا: لأنه تكرار، والمعطوف أبدًا يكون غير المعطوف عليه، قلنا: قد ذكرنا أن الإِحْصَار ليس بالمرض بعينه، ولكن مُنع بسبب المرض، والمنع بسبب المرض يستفاد به التحلل بالدم، ولا يباح به الحلق إذا لم يتأذّ به، والمرض يتأذى به رأسه يباح الحلق أو بنفس الأذى، وإن لم يمنعه عن الذهاب، ولا يباح به التحلل، فكان عيدين فكأنه قال: فإن منعتم بمرض تحللتم بدم، وإن تأذى رأسكم بمرض حلقتم، وكفَّرتم، وهذا مستقيم على أن عطف الخاص على العام جائز كقوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ} (٣)، يقال له: ابعث شاة تُذبح في الحرم، ثُمَّ إذا بعث بالهدي، فإن شاء أقام مكانه، وإن شاء رجع؛ لأنه لما صار ممنوعاً عن الذهاب يخير بين المقام، والانصراف كذا في «المبسوط» (٤).

(قالوا: الإِحْصَار بالمرضِ، والحصر بالعدوِ) (٥).

بسكون الصاد لا غير، وهو المنع، فإن الحَصَر بفتحتين مصدر حَصِرَ، وهو العي وضيق الصدر من حدَّ عَلِمَ.

ثُمَّ قوله: فإنهم قالوا: الإِحْصَار بالمرض جواب لقول الشافعي (٦) على وجه المنع.


(١) ساقطة من (ب، ج).
(٢) سورة البقرة من الآية (١٩٦).
(٣) سورة الأحزاب من الآية (٧).
(٤) انظر: المبسوط (٤/ ١٠٧).
(٥) الإحصار عند الحنفية يتحقق بجميع العوائق المانعة من الوصول إلى الحرم من عدو، أو مرض أو ضياع مال، أو حبس أو غير ذلك، بخلاف الجمهور فالمراد بالإحصارعندهم: هوماكان من العدو خاصة.
انظر: البدائع (٢/ ١٧٥)، الفتح (٣/ ١٢٤)، الكافي (١/ ٣٩٩)، المجموع (٨/ ٢٢٣)، الإنصاف (٩/ ٣١٢).
انظر كذلك: تفسير الطبري (٤/ ٢٥)، تفسير الماوردي (١/ ٢١٣).
(٦) انظر: النووي في "المجموع" (٨/ ٣١١).