للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي قول محمد: إذا سُرقت الألف التي دفعها بطلت الوصية، ولا يؤخذ منه مرة أخرى سواء بقي من الثلث الأول شيء أو لم يبق.

وهذا الاختلاف بينهم إذا هلك المال أو سُرق في يد النائب حتى لو هلك المال في يد الوصي قبل الدفع إلى النائب بعدما قاسم الورثة، يُحج عنه من ثلث ما بقي بالاتفاق، ثُمَّ وثُمَّ إلى أن يبقى من المال حبة كذا ذكره الإمام قاضي خان، والإمام المحبوبي -رحمه الله-.

وأما الثاني: وهو اعتبار المكان في الحجّ. وذكر الإمام المحبوبي: وهذا الاختلاف في المكان فيما إذا خرج النائب ليحج عن الآمر، ثُمَّ مات أو خرج الموصي بنفسه للحج، ثُمَّ مات في الطريق، وأما لو خرج رجل من بلده تاجرًا لا للحج، ثُمَّ مات، وأوصى بأن يُحج عنه، فإنه يُحج عنه من وطنه اتفاقًا، وحاصل الاختلاف راجع إلى أن ما أدى من بيته من الحجّ هل يبطل بالموت؟ فعند أبي حنيفة -رحمه الله- يبطل، وعندهما لا يبطل، وكأنه حي فيجوز البناء عليه.

قوله -رحمه الله-: (انقطع عمله إلا من ثلاث). الحديث.

تمامه: (علم علمه الناس، وصدقة جارية، وولد صالح يدعو له بالخير) (١)، وهذا ليس من هذه (٢) الثلاث فإذا بطل عمله في حق أحكام الدنيا وجب الاستئناف، ألا ترى أنه لو أحرم، ثُمَّ مات ينقطع ذلك الإحرام حتى لا يُبنى عليه كذا ذكره الإمام قاضي خان.

فإن قلتَ: هذا الحديث متروك الظاهر، فكيف يصح التمسك في إثبات المُدعى (٣)، فإن الأعمال الصالحة التي عملها ابن آدم غير منقطعة، فإنه يثاب عليها، وظاهره يقتضي الانقطاع في جميع الأعمال سوى المستثنى وليس كذلك.

قلتُ: وجه التمسك به ظاهر؛ لأن المذكور في الحديث لفظ الانقطاع، وذلك لا يكون إلا فيما نحن فيه، وهو ما إذا شرع في العمل، ولم يتمّه بعد؛ لأن العمل الذي أتمّه لا يتصور فيه الانقطاع، ولكن يتصور فيه البطلان/ بمبطل، والعياذ بالله من ذلك، وليس كلامنا فيه وكذلك العمل الذي لم يشرع فيه لا يُتصور الانقطاع؛ لأنه غير موجود، والمنقطع موجود فتعيّن ما قلنا لانحصار إطلاق العمل عقلاً في هذه الثلاث.

ثُمَّ تأخير تعليلهما عن تعليل أبي حنيفة -رحمه الله- يحتمل أن يكون قولهما هو المختار عند المصنف -رحمه الله- لمّا أن قولهما استحسان، وقول أبي حنيفة -رحمه الله- قياس، والمأخوذ في عامة الصور حكم الاستحسان دون القياس، ولأن ظاهر الآية يعضد قولهما، وأصل الاختلاف في الذي يحج بنفسه، وهو أن يخرج الرجل حاجًا من وطنه، فلما بلغ الكوفة مثلاً مات، وأوصى بأن يُحج عنه من وطنه، وهو قول أبي حنيفة -رحمه الله- وفي الاستحسان من حيث مات، وهو قولهما بخلاف المأمور على ما فرّقنا من قبل، وهو قوله:


(١) سبق تخريجه.
(٢) في (ب): هذه.
(٣) في (ب، ج): مدعاه.