للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قوله] (١) رحمه الله-: إذْ الْأُمُّ هِيَ الْأَصْلُ لُغَةً أَوْ ثَبَتَتْ حُرْمَتُهُنَّ بِالْإِجْمَاعِ (٢).

وفيه مذهبان، فعلى قول من يقول: أنّ اللّفظ الواحد يجوز أن يراد به الحقيقة والمجاز في محلّين مختلفين فحرمة الجدات ثابتة بالنصّ لأنّ اسم الأمّهات يتناولهنّ مجازاً وعلى قول من يقول لا يراد باللّفظ الواحد الحقيقة والمجاز فحرمة الجدّات تثبت بدليل الإجماع (٣) إذ الأمّهات هي الأصول وهو حقيقة معنى هذا الاسم وذلك بجمع الكل إلا أنّ إطلاق اسم الأم في الأم الدنيا دون غيرها بدليل العرف فعلى هذا النصّ يتناول الجدّات حقيقة وعلى هذا البنات أمّا أن يتناول لفظ البنات على بنات البنات وبنات الابن بطريق المجاز أو تثبت حرمتهنّ الإجماع كذا في الْمَبْسُوطِ (٤) وذكر في الكتاب العمات المتفرقات وغيرها ولم يذكر الأخوات والمتفرقات والحكم فيهنّ أيضاً كذلك لأن الأختيّه عبارة عن مجاورة في الصّلب او في الرّحم فكان هذا الاسم حقيقة للفرق الثلاث [أي للأخت لأب وأمّ والأخت لأب والأخت لأم] (٥) لقوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} (٦) من غير قيد بالدّخول ولا يثبت امرأته التي دخل بها لثبوت قيد الدّخول بالنصّ وحاصله أن حرمة أمّهات نساء الرّجال تثبت بنفس العقد (٧).

[عندنا] (٨) بخلاف حرمة بنات نسائهم.

وكان بشر المريسي (٩)، وابن شجاع (١٠)، ومالك، وداود (١١) (١٢) -رحمهم الله- يقولون لا تثبت إلا بالدّخول بالبنت (١٣) وهو أحد قولي الشّافعي-رحمه الله- (١٤) ومذهبنا [مذهب] (١٥) عمر وابن عبّاس وإليه رجع ابن مسعود –رضي الله عنهم- أيضاً حين ناظره عمر ومذهبهم مذهب علي وزيد بن ثابت -رضي الله عنه- واستدلّوا بقوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} (١٦) إلى قوله تعالى: {مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} (١٧) والأصل أنّ الشّرط والاستثناء إذا تعقّب كلمات [منسوق] (١٨) بعضها على بعض ينصرف إلى جميع ما سبق ذكره (١٩) كما إذا قال فلانة طالق وفلانة طالق إن دخلت الدّار ولكنّا نستدلّ بحديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- أنّ النبي -عليه السلام- قال: «مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً حُرِّمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ ابْنَتُهَا إنْ دَخَلَ بِهَا» (٢٠)، وكان ابن عبّاس -رضي الله عنه- يقول: (أُمُّ الْمَرْأَةِ مُبْهَمَةٌ فَأَبْهِمُوا مَا أَبْهَمَ اللَّهُ) (٢١) بين أن الشّرط المذكور وهو الدّخول ينصرف إلى الرّبائب دون الأمّهات وهذا هو الظّاهر في اللّغة لأنّ النّساء المذكورة في قوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} (٢٢) مخفوض بالإضافة وفي قوله تعالى: {مِنْ نِسَائِكُمُ} (٢٣) مخفوض بحرف من والمخفوضات بإداتين لا ينعتان بنعت واحد.


(١) طمس في (أ).
(٢) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٢/ ٤٦٢).
(٣) الإجماع في اصطلاح الأصوليين: هو اتفاق جميع المجتهدين من المسلمين في عصر من العصور بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - على حكم شرعي في واقعة. ينظر: علم أصول الفقه (ص: ٤٥)، التحبير شرح التحرير (٤/ ١٦٣٢).
(٤) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٤/ ١٩٨).
(٥) ساقط من (ب).
(٦) النساء من الآية: ٢٣.
(٧) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٤/ ١٩٩).
(٨) زيادة من (ب): [عندنا].
(٩) بشر المريسي: هو بشر بن غياث بن أبي كريمة عبد الرحمن المريسي، العَدَوى بالولاء، أبو عبد الرحمن: فقيه معتزلي عارف بالفلسفة، يرمى بالزندقة. وهو رأس الطائفة (المريسية) القائلة بالإرجاء، وإليه نسبتها. أخذ الفقه عن القاضي أبي يوسف، وقال برأي الجهمية، وأوذي في دولة هارون الرشيد. وهو من أهل بغداد ينسب إلى (درب المريس) فيها. عاش نحو ٧٠ عامان، ومات سنة (٢١٨ هـ).
يُنْظَر: وفيات الأعيان (١/ ٢٧٧)، الأعلام (٢/ ٥٥).
(١٠) ابن شجاع: هو مُحَمَّد بن شجاع أبو عبدالله، يعرف بابن الثَّلْجِي البغدادي،. كان فقيه أهل العراق في وقته، وهو من أصحاب الحسن بن زياد اللؤلؤي، وحدّث عن يحيى بن آدم، والواقدي وغيرهما. ولد في سنة (١٨١ هـ)، ومات سنة (٢٦٦ هـ).
يُنْظَر: تهذيب الكمال (٢٥/ ٣٦٢)، الجواهر المضيئة (٢/ ٢٩٤)، الأعلام (٢/ ١٥٦ - ١٥٧).
(١١) داود الظاهري: هو أبو سليمان داود بن علي بن خلف الأصبهاني الإمام المشهور المعروف بالظاهري، وينسب إليه مذهب الظاهرية كان زاهداً متقللاً كثير الورع، أخذ العلم عن إسحاق بن راهويه وأبي ثور والشافعي وغيرهم.
ولد في الكوفة سنة (٢٠١ هـ) ومات في بغداد سنة (٢٧٠ هـ).
يُنْظَر: وفيات الأعيان (٢/ ٢٥٥)، الأعلام (٢/ ٣٣٣).
(١٢) ينظر: المحلى بالآثار، لابن حزم (٩/ ١٤١).
(١٣) ذهب جمهور الفقهاء على إن أمهات النساء، تحرم بالعقد دخل بها أو لم يدخل، وذهب قوم إلى أن الأم لا تحرم إلا بالدّخول على البنت، يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٤/ ١٩٩)، بداية المجتهد (٢/ ٣٤)، تكملة المجموع (١٦/ ٢١٦)، المغني (٩/ ٥١٥ - ٥١٦)، المحلى بالآثار (٩/ ١٤٢).
(١٤) يُنْظَر: الأم (٥/ ٢٤).
(١٥) زيادة من (ب).
(١٦) النساء من الآية: ٢٣.
(١٧) النساء من الآية: ٢٣.
(١٨) في (أ): غير واضح، وفي (ب): (منسوق). وفي الْمَبْسُوطِ: (منسوقة).
(١٩) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٤/ ١٩٩).
(٢٠) رواه الترمذي كتاب أبواب النكاح باب ما جاء فيمن يتزوج المرأة ثم يطلقها قبل أن يدخل بها، هل يتزوج ابنتها، أم لا (٣/ ٤٢٥) برقم (١١١٧) بلفظ و «أَيُّمَا رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً فَدَخَلَ بِهَا، فَلَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ ابْنَتِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا، فَلْيَنْكِحْ ابْنَتَهَا، وَأَيُّمَا رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً فَدَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ أُمِّهَا» قال الشيخ الألباني: ضعيف من حديث شعيب عن أبيه عن جده البيهقي (٧/ ٢٥٩).
(٢١) روي عن ابن عَبَّاس -رضي الله عنه-، أَنَّهُ قَالَ: هِيَ مُبْهَمَةٌ وَكَرِهَهَا "، وفي رواية أبهموا ما أبهم الله. وعنه بلفظ: "هِيَ مُبْهَمَةٌ".
روى مالك عن يحي بن سعيد أنه قال: سُئِلَ زيد بن ثابت -رضي الله عنه- عن رجُل تزوَّج امرأَة ثُمّ فارقها قبل أَنْ يُصِيبها، هل تَحِلُّ لَهُ أُمُّهَا؟ فقال زيد بن ثابت: «لَا الْأُمُّ مُبْهَمَةٌ، لَيْسَ فِيهَا شَرْطٌ، وَإِنَّمَا الشَّرْطُ فِي الرَّبَائِبِ». قال البيهقي وَرُوِيَ عن ابن عَبَّاس -رضي الله عنه-، قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَاهُ.
يُنْظَر: موطأ الإمام مالك (٢/ ٥٣٣)، سنن سعيد بن منصور (١/ ٢٧٠)، السنن الكبرى للبيهقي (٧/ ٢٥٩).
(٢٢) النساء من الآية: ٢٣.
(٢٣) النساء من الآية: ٢٣.