للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أو نقول: اشتراط الحدث لوجوب الوضوء بسبب إرادة القيام إلى الصلاة ثابت هنا بدلالة النص وصيغته.

أما الدلالة فلأنه ذكر التيمم بالتراب الذي هو بدل عن الماء معلقًا بالحدث، وكذلك ذكر الغسل معلقًا بالحدث وهو أعظم الطهرين، فقال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: ٦]. وقال: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} [المائدة: ٦] الآية، والنص في البدل نص في الأصل، وإنما يخالف البدل الأصل بحالة وهي الكيفية والكمية لا سببية فكانا متحدين في عمل السبب.

وأما الصيغة فقوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: ٦] أي: من مضاجعكم؛ لأن القيام المطلق كان [من] (١) غير القيام مطلقًا وهو الاضطجاع وهو كناية عن النوم، والنوم دليل الحدث كما في قوله تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [المائدة: ٦] فهو كناية عن التمكن في المكان المطمئن للإستتار والتمكن فيه دليل الحدث، وإنما اختير هذا النظم -والله أعلم-؛ لأن الوضوء مطهر وضعًا فدل على قيام النجاسة فاستغنى عن ذكره بخلاف التيمم والصلاة سبب الوضوء والحدث شرط فلم يذكر الحدث صريحًا ليعلم أنه سنة وفرض، فكان الحدث شرطًا لكونه فرضًا لا لكونه سنة، فأما الغسل فلا يسن لكل صلاة بل هو فرض فلم يشرع إلا مقرونًا بالحدث.

ولا يقال: إن الغسل سنة للجمعة [فيثبت] (٢) التنوع فيه؛ لأنا نقول: المدعى أنه لا يسن لكل صلاة فلم يتجه نقضًا، أو نقول: كونه سنة لصلاة الجمعة غير مسلَّم؛ لأن الغسل عند البعض لليوم أو الصلاة.

وهذا مما اختاره فخر الإسلام البزدوي (٣) وذكره في الكشاف: «فإن قلت: هل يجوز أن يكون الأمر شاملاً للمحدثين وغيرهم لهؤلاء على وجه الإيجاب، ولهؤلاء على وجه الندب. قلت: لا؛ لأن تناول الكلمة لمعنيين مختلفين من باب الإلغاز والتعمية» (٤)، ثم


(١) في (ب): «عن».
(٢) في (ب): «فثبت».
(٣) هو الإمام أبو الحسن، عليّ بن محمد بن حسين ابن المحدث عبد الكريم بن موسى بن عيسى بن مجاهد، الإمام أبو الحسن البَزْدَوِيّ النَّسَفيّ الزّاهد،، صاحب التَّصانيف الجليلة، والمدرِّس بسَمَرْقَنْد. فقيه، حنفي توفي في سمرقند سنة: (٤٨٢) هـ -رحمه الله تعالى-، قال السّمعانيّ: كان إمام أصحاب أبي حنيفة بما وراء النهر، وممن يُضْرب به المَثَل في حِفْظ المذهب، وطريقته مفيدة. ظهر له الأصحاب، وهو أخو القاضي أبي اليُسْر. وقال الذهبي: "هو شيخ الحنفية وعالم ما وراء النهر". من كتبه "كشف الأستار" في التفسير، كبير جدا، "يقال أنه مائة وعشرون جزءا، كل جزء في ضخم مصحف" تفقّه بالشّمس عبد العزيز بن أحمد الحلواني، وسمع منه؛ ومن عمر بن منصور بن خنْب، وأبي الوليد الحسن بن محمد الدَّرْبَنْديّ. وكان مولده في حدود الأربعمائة. روى عنه أبو المعالي محمد بن نصر الخطيب. وله من المصنفات: المبسوط، شرح الجامع الكبير، شرح الجامع الصغير، أصول البزدوي في أصول الفقه، سيرة المذهب في صفة الأدب، كشف الأستاذ في التفسير، وغيرها. انظر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (١/ ٨١، ٤٦٧، ٥٦٣، ٥٧٠) (٢/ ١٠١٦، ١٤٨٥)، لمصطفى بن عبد الله المشهور ب (حاجي خليفة) المتوفى (١٠٦٧ هـ)، الناشر: مكتبة المثنى- بغداد ١٩٤١ م. وكتاب (أسماء الكتب المتمم لكشف الظنون) (١/ ٢٥٧)، للمؤلف: عبد اللطيف بن محمد بن مصطفى، الشهير بـ (رياض زاده) المتوفى سنة: (١٠٧٨ هـ) تحقيق: د/ محمد التوبخي، الناشر: دار الفكر- دمشق- سورية، الطبعة الثالثة ١٤٠٣ هـ - ١٩٨٣ م.
(٤) الكشاف (١/ ٦٤٤).