للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمّا قولهم فإنّ القضاء إما إمضاء لعقد أو إنشاء إلى آخره فيقول القاضي مأمور بالقضاء بما في وسعه عند قيام الحجة شرعًا فالذي في وسعه أن يجعلها زوجة له بطريق الإظهار وإن كان بينهما عقد سابق وبطريق الإنشاء إن لم يكن بينهما عقد سابق/.

فإن قيل: لو كان قضاؤه بمنزلة إنشاء العقد ينبغي أن يشترط حضرة الشّهود عند قوله قضيت عملاً بقوله -عليه السلام-: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِشُهُودٍ» (١).

قلنا: عند بعض المتأخّرين من مشايخنا لا ينفذ هذا النكاح في الباطن عند أَبِي حَنِيفَةَ -رحمه الله- بقوله قضيت إلا بمحضر من الشّهود وإليه مال شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السّرخسي -رحمه الله- ذكره في الرّجوع عن الشّهادات في الْمَبْسُوطِ (٢)، وعند بعضهم يصحّ النكاح بغير محضر منهم لأنّ إنشاء النكاح لا يثبت مقصودًا.

وإنما يثبت بمقتضى صحّة قضائه في الباطن وما يثبت مقتضى صحة الشيء لا يراعى شرائطه لو ثبت مقصودًا كالبيع في قوله اعتق عبدك عنّي على ألف درهم وعلى هذا سقوط الإيجاب والقبول أيضاً ثم فيما صرنا إليه حكمة بالغة وهي أن لا يجتمع رجلان على امرأة واحدة يطأها أحدهما بنكاح ظاهر عند النّاس والقاضي والآخر بنكاح باطن وفيه من القبح ما لا يخفى وصيانة الدّين عن القبح واجب (٣) كذا في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (٤) للإمام المحبوبي -رحمه الله- والفوائد الظهيريّة بخلاف الأملاك المرسلة أي المطلقة عن إثبات سبب الملك بأن ادّعى ملكًا مطلقاً في الجارية والطّعام من غير تعيين شرى أو إرث حيث ينفذ القضاء ظاهراً لا باطًنا بالاتفاق حتّى لا يحلّ للمقضي له [وطئها] (٥) ثم إنّما لا يثبت الملك هناك للمقضي له لأنّه لا يتوجّه على القاضي القضاء بالملك لأنّ التكليف بحسب الوسع وليس في وسعه إثبات الملك لإنسان بغير أسباب وفي أسباب الملك كثرة لا يمكن تعيين شيء منهما بدون الحجّة فعرفنا أنّه غير مخاطب بالقضاء بالملك.

وإنّما يصير مخاطباً باليد وذلك نافذ منه فأمّا ههنا توجه عليه القضاء بالنكاح لأنّ طريقه يتعيّن من الوجه الذي قلنا يوضحه أنّ القاضي لا يقول هناك للمدّعي ملّكتك هذا المال بل تقصر يد المدعى عليه من المال وههنا يقول قضيت بالنكاح بينكما وجعلتها زوجة لك ثم فيما ذهب إليه أَبُو يُوسُف ومُحَمَّد- رحمهما الله- من قضاء القاضي بالطلقات الثلاث بشهادة الزّور تعطيل الفرج؛ لأنّها لا تحلّ للأوّل ولا للثّاني ولا يتمكّن من [التزوج] (٦) بزوج وفيه ضرر عليها وفيما قاله الشّافعي -رحمه الله - (٧) اجتماع رجلين على امرأة واحدة في طهر واحد وهو قبح، فعرفنا أنّ الأوجه ما ذهب إليه أبو حنيفة -رحمه الله-، كذا ذكره الإمام المحبوبي -رحمه الله-، والله أعلم بالصّواب.


(١) سبق تخريجه (ص ٦٧).
(٢) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (١٦/ ١٨١).
(٣) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (١٦/ ١٨٢ - ١٨٣).
(٤) يُنْظَر: الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وشرحه النافع الكبير لمن يطالع الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (١/ ١٧٨).
(٥) زيادة من (ب).
(٦) وفي (ب): (الزوج).
(٧) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (١٦/ ١٨٣ - ١٨٤)، بداية المجتهد (٢/ ٣٥٩)، تكملة المجموع (١٦/ ١٩١)، المغني (٦/ ١٣٢).