للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن ادعت عليه امرأة إلى أن قال: وسعها المقام معه؛ بضم الميم، وفتحها فقد ذكر في الصّحاح (١).

وأما المقام والمقام فقد يكون كلّ واحد منهما بمعنى الإقامة ثم قال وقرى {لَا مُقَامَ لَكُمْ} (٢) بالضمّ أي لا إقامة لكم ولقب المسألة أن قضاء القاضي بشهادة الزّور في العقود والفسوخ في قول أَبِي حَنِيفَةَ وأبي يوسف -رحمهما الله- أولا [ينعقد] (٣) ظاهراً، وباطنًا وعند أبي يوسف آخراً وهو قول مُحَمَّد وزفر والشّافعي-رحمهم الله- (٤) ينفذ ظاهراً لا باطنًا والمعنى من النفاذ باطنًا ثبوت الحلّ فيما بينهما وبين الله تعالى وعلى هذا الاختلاف البيع بأن ادّعى رجل على رجل بيع جارية أقام البيّنة ولم يبعها فقضى القاضي بها للمدّعي حلّ له وطئها عند أَبِي حَنِيفَةَ-رحمه الله- وكذلك إذا ادعت المرأة الطّلقات الثّلاث على زوجها وأقامت البيّنة فلم يكن طلقها يقضي القاضي بالطّلقات الثّلاث وتزوّجت بزوج آخر حلّ للزّوج الثّاني أن يطأها عند أَبِي حَنِيفَةَ -رحمه الله- وعند مُحَمَّد -رحمه الله- لا يحلّ للثّاني ولا للأوّل أن يطأها.

وكذلك الاختلاف في الفسخ بأن ادّعى أحد المتبايعين على صاحبه فسخ البيع وأقام البيّنة وصاحبه لم يكن فسخ البيع ففسخ القاضي البيع ينفسخ بفسخ القاضي وحلّ للبائع عند أَبِي حَنِيفَةَ -رحمه الله-.

وكذلك في دعوى العتق والنّسب وأجمعوا أنّ قضاء القاضي في الأملاك المرسلة وفي الميراث ينفذ ظاهراً لا باطنًا.

وأمّا في الهبة والصدقة فعن أَبِي حَنِيفَةَ -رحمه الله- روايتان في رواية ألحقها بالأشربة والأنكحة من حيث أنّه يحتاج فيه إلى الإيجاب والقبول وفي رواية ألحقها بالأملاك المرسلة.

والحاصل أنّ في المسألة أربعة أقاويل: قائل يقول يحلّ للثاني وطئها دون الأوّل وهو أبو حنيفة -رحمه الله- وقائل يقول لا يحلّ للأوّل وطئها للتهمة ولا للثّاني للحرمة وهو أَبُو يُوسُف ومُحَمَّد - رحمهما الله - وقائل يقول يطأها الأوّل سرًا والثّاني علانية وهو الشّافعي -رحمه الله-.

وذكر شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السّرخسي-رحمه الله- أن على قول مُحَمَّد يحلّ للأوّل أن يطأها قبل دخول الثّاني وإذا دخل لا يحلّ الوطء للأوّل لوجوب العدة عليها من الثاني كالمنكوحة إذا وجبت عليها العدة من [غير] (٥) الزّوج (٦)، وقال الفقيه أبو الليث - رحمه الله- يأخذ بقولهما في الفتوى فوجه قولهم أنّ القضاء ههنا أما إمضاء لعقد قد سبق أو إنشاء لعقد لم يسبق لا سبيل إلى الأوّل لأنّ العقد لم يسبقه فيمتنع القضاء بالإمضاء ولا سبيل إلى الثّاني لأنّ إنشاء العقد إنّما يكون بالإيجاب والقبول ولم يوجد فلما امتنع القسمان وجب أن لا يحلّ له قربانها لقوله تعالى: {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} (٧) وأبو حنيفة -رحمه الله- استدلّ بما روي أنّ رجلاً ادّعى على امرأة نكاحًا بين يدي علي -رضي الله عنه- فأقام شاهدين فقضى بالنكاح بينهما فقالت المرأة: إن لم يكن بد يا أمير المؤمنين فزوجني منه فقال -رضي الله عنه-: "شاهداك زوجاك" (٨)، ولو لم ينعقد العقد بينهما بقضائه لما امتنع من تجديد العقد عند طلبها ورغبة الزّوج فيها وقد كان في تحصينهما من الزنى وكان ذلك منه قضاء بشهادة الزّور والفقه فيه أنّ القاضي قضى بالزّوجيّة في محلّ قابل للزّوجية بأمر الشّرع على وجه لو امتنع عنه يأثم فوجب أن يلزم وإن كانت الشّهادة كاذبة دليله نفاذ قضاء القاضي بالفرقة باللّعان ظاهراً وباطنًا وإن كانت شهادة أحد الزّوجين كاذبة تيقين بالفرقة باللّعان متفرقة إلى (٩) شهادتهما.


(١) يُنْظَر: الصحاح (٥/ ٢٠١٧).
(٢) سورة الأحزاب من الآية: ١٣.
(٣) وفي (ب): (يَنْفُذُ).
(٤) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٧/ ٩٦)، المحيط البرهاني (٨/ ٥٣)، الأم (٨/ ٢٩٢)، تكملة المجموع (١٨/ ١٦٠).
(٥) زيادة من (ب).
(٦) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (١٦/ ١٨٤).
(٧) سورة المؤمنون من الآية: ٧.
(٨) ذكره ابن عبدالهادي في تنقيح التحقيق (٥/ ٦٥) برقم (٣٢٤٦)، وابن قدامة في المغني (١٠/ ٥٣).
(٩) في (ب): (مفتقرة على).