للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: ({إِذَا قُمْتُمْ}) بالخطاب في [نحره] (١) ومقطعة أيضًا لاقتضاء حرف النداء إياه إذ لا يمكن أن يقال: يا فلان إذا فعل مكان فعلت لتنافر جزئي الكلام، فكان كل واحد من الغيبة والخطاب في مظانه بحيث لا يمكن العدول عنه لئلا يخرج عن سنن العربية ووضعها، والالتفات إنما يكون في موضع حقه الغيبة فذكره بالخطاب، أو على العكس أو منهما إلى نفس المتكلم أو على العكس، فأما في موضع لا يجوز غير ما ذكره من الغيبة والخطاب فلا؛ لأن في ذلك خروجًا عن [وضع] (٢) العربية، ألا ترى أنه كيف [لم تتخلف] (٣) هذه الطريقة في اثنين وثمانين موضعًا في كتاب الله تعالى كما في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا} [البقرة: ١٠٤]، وقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا} [البقرة: ١٥٣]، وكذلك في خطاب الكفار: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا} [التحريم: ٧]، وكذلك في إخبار الله تعالى عن خطاب الكفار -لعنهم الله (٤) -

لنبينا -صلى الله عليه وسلم- (٥): {يَاأَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (٦)} [الحجر: ٦]، ولو كان للالتفات لما تناسقت مواقعها كلها على موضوع واحد، بل تغايرت لإجراء الكلام على الأصل، ألا ترى كيف أجري على الأصل قوله تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [العنكبوت: ٦٥]، والتفت في قوله: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} [يونس: ٢٢]، وكذلك أجرى على الأصل [في سورة الحمد] (٦) في قوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام: ١] الآية، والتفت في الفاتحة بقوله: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)} [الفاتحة: ٥]. وما ادعوه من المعنى الداعي إلى الالتفات في قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ} [المائدة: ٦] من تناول الغائبين إلى يوم القيامة بذكر الغيبة والحاضرين بذكر الخطاب على وجه التصريح منقوض بقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (٦)} [الحجر: ٦]؛ إذ لا نبي بعد نبينا -عليه السلام- حتى يتناول ذكر الغيبة إياه، والله أعلم بصحته.


(١) كذا في النسختين ولعله تصحيف.
(٢) في (ب): «موضع».
(٣) في (ب): «يتخلف».
(٤) لعن الكافر المعين، فإن كان حياً، فقد ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة في المذهب، إلى أنه لا يجوز لعنه، لان حاله عند الوفاة لا تعلم، وقد شرط الله تعالى في إطلاق اللعنة الوفاة على الكفر، وذلك في قوله تعالى: (إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) ولأنا لا ندري ما يختم به لهذا الكافر.
وفي رواية عند الحنابلة وهو قول ابن العربي من المالكية، وفي قول الشافعية أنه يجوز لعن الكافر المعين، قال ابن العربي: لظاهر حاله ولجواز قتله وقتاله، أما لعن الكفار جملة من غير تعيين وكذلك من مات منهم على الكفر فلا خلاف في أنه يجوز لعنهم، وهو صنع المؤلف السنغناقي: لما رواه مالك عن داود بن الحصين أنه سمع الأعرج يقول: ما أدركت الناس إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان، قال القرطبي: قال علماؤنا: وسواء كانت لهم ذمة أم لم تكن، انظر: حاشية ابن عابدين (٢/ ٥٤٢)، والقليوبي (٣/ ٢٠٤)، والقرطبي (٢/ ١٨٨)، وكشاف القناع (٦/ ١٢٥)، والآداب الشرعية (١/ ٣٠٣)، والأذكار ص (٥٤٨).
(٥) ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).
(٦) ساقطة من (ب) ولعله تصحيف في الإسم، أو إجتهاد من المؤلف في تسمية سورة الأنعام ب (الحمد).