للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد ذكرنا من رواية (المحيط) (١) أنّ مولى الموالاة مقدّم على الإمام ثمّ مادام له قريب فالقاضي ليس بولي في قول أَبِي حَنِيفَةَ وعند صاحبيه- رحمهم الله- مادام له عصبة فالقاضي ليس بولي ثم القاضي إنّما يملك إنكاح من يحتاج إلى الوليّ إذا كان ذلك في عهده ومنشوره وإلا فلا كذا في (فتاوى) قاضي خان وإذا غاب الولي الأقرب كالأب جاز لمن هو أبعد منه كالجدّ أن يزوّج ههنا ثلاثة أقاويل فعندنا الأبعد أن يزوّجها دون السلطان وقال الشّافعي- رحمه الله - يزوّجها السلطان وقال زفر - رحمه الله - لا يزوجها أحد حتّى يحضر الأقرب.

وحجّتنا في ذلك أنّ ثبوت الولاية بمعنى النّظر للمولى عليه حيث لا يثبت إلا على من هو عاجز عن النّظر لنفسه وجعل الأقرب مقدّمًا لأن نظره لها أكثر لزيادة القرب ثم النّظر لها لا يحصل بمجرّد رأي الأقرب بل برأي حاضر منتفع به وقد خرج رأيه من أن يكون منتفعًا به لهذه الغيبة فالتحق بمن [لا] (٢) رأى له أصلاً كالصّغير والمجنون ورأي الأبعد خلف عن رأي الأقرب ففي ثبوت الحكم للخلف لا فرق بين انعدام الأصل وبين كونه غير منتفع به، ألا ترى أنّ التراب لما كان خلفاً عن الماء في حكم الطّهارة فمع وجود الماء النجس يكون التراب خلفاً كما أن عند عدم [الماء التراب خلف لأنّ الماء النّجس عند منتفع به في حكم الطّهارة هو كالمعدوم أصلاً ونظيره الحضانة والتربية تقدم فيها المقدم] (٣) الاقرب فإذا تزوّج الأقرب حتى اشتغلت تزوّجها كانت الولاية للأبعد يوضحه أن للأبعد قرب التدبير وبعد القرابة وللأقرب قرب القرابة وبعد التّدبير وثبوت الولاية بهما فاستويا من هذا الوجه فكان بمنزلة ولييّن في درجة واحدة فإنهما [زوجهما] (٤) يجوز.

[وعن هذا قلنا إذا زوّجها الأقرب حيث هو يجوز لأنّها انتفعت برأيه، ولكن هذه منفعة حصلت لها اتفاقاً فلا يجوز بناء الحكم عليها] (٥) فلذلك تثبت الولاية للأبعد كذا في (الْمَبْسُوطِ) (٦) وهو اختيار بعض المتأخّرين منهم القاضي الإمام ركن الإسلام علي السغدي (٧) (٨) والقاضي الإمام أبوعلي النّسفي (٩)، وهو قول مُحَمَّد بن مقاتل الرّازي [وسفيان الثّوري] (١٠) (١١)، وأبي عصمة سعد بن معاذ المروزي (١٢) -رحمهم الله- وقيل إذا كان بحال يَفُوت الْكُفْء الخاطب باستطلاع رأيه وعن هذا ذكر الإمام قاضي خان في (الْجَامِعِ الصَّغِيرِ) (١٣) حتّى لو كان [مختفياً] (١٤) في البلدة لا يوقف عليه يكون غيبتة منقطعة وكذا لو انتظر حضوره أو استطلاع رأيه يَفُوت الْكُفْء، الخاطب فهو منقطعة، وإلا فلا عليه أكثر المشايخ منهم الشّيخ الإمام أبو بكر مُحَمَّد بن الفضل (١٥)، والشّيخ الإمام شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السّرخسي-رحمهما الله- وقال مُحَمَّد-رحمه الله- أبوها لأنّ ولاية الأب تعم النفس والمال ولا يثبت للابن الولاية في المال ولهما أنّ الابن هو المقدّم في العصوبة، ألا ترى أنّ الأب معه يستحق السّدس بالفرضية فقط كذا في الْمَبْسُوطِ (١٦)، والله أعلم بالصّواب./


(١) يُنْظَر: المحيط البرهاني (٣/ ٤٢ - ٤٣).
(٢) زيادة من (ب).
(٣) ساقط من (ب).
(٤) في (ب): (زوجها).
(٥) ساقط من (ب).
(٦) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٤/ ٢٢٢).
(٧) ركن الإسْلام السغدي: هو على بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد القاضى ركن الاسلام أَبُو الْحسن السغدي الْفَقِيه الْحَنَفِيّ. أصله من السغد (بنواحي سمرقند) نزيل بخارى. صنف شرح الْجَامِع الْكَبِير للشيباني فِي الْفُرُوع. مات سنة (٤٦١ هـ)، يُنْظَر: الجواهرالمضية (٢/ ٣٧١)، الإعلام (٤/ ٢٧٩).
(٨) يُنْظَر: النتف في الفتاوى (١/ ٢٧٢ - ٢٧٣).
(٩) القاضي أَبُو عَليّ النَّسَفِيّ: هو الحسين بن الخضر بن مُحَمَّد بن يُوسف الفَقِيه القشيديرجي القَاضِي أستاذ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحُلْوَانِيّ. إِمام عصره تفقه بِبَغْدَاد، وهو من أصحاب الإمام أبي بكر مُحَمَّد بن الفضل. مات سنة (٤٢٤ هـ).
يُنْظَر: الجواهر المضية (١/ ٢١١)، الطبقات السنية (١/ ٢٤٧).
(١٠) سفيان الثوري: هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، من بني ثور بن عبد مناة، من مضر، أبو عبد الله: أمير المؤمنين في الحديث. كان سيد أهل زمانه في علوم الدين والتقوى. ولد ونشأ في الكوفة. ولد سنة (٩٧ هـ)، ومات سنة (١٦١ هـ)، يُنْظَر: سير أعلام النبلاء (٧/ ٢٢٧)، الأعلام (٣/ ١٠٤).
(١١) ساقط من (ب): [وسفيان الثّوري].
(١٢) أَبُو عصمَة: هو سعد بن معَاذ الْمروزِي أَبُو عصمَة. ومات في بَمْرو سنة (٢٦٠ هـ).
يُنْظَر: تاريخ الإسلام وَوَفيات المشاهير وَالأعلام (٦/ ٨٩)، الجواهر المضية (٢/ ٢٥٧ - ٢٥٨)
(١٣) يُنْظَر: الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (١/ ١٧٥).
(١٤) وفي (ب): (مختصاً).
(١٥) أبو بكر مُحَمَّد بن الفضل أَبُو بكر الفضلي الكماري، ومات ببخارى سنة (٣٨١ هـ).
يُنْظَر: الجواهر المضية (٢/ ١٠٧ - ١٠٨).
(١٦) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٤/ ٢٢٠).