للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واستدلّ أصحابنا بظاهر قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} (١)، والنكاح شيء، فلا يملكه العبد بنفسه، ومذهبنا مروي عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: «أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوْلَاهُ فَهُوَ [عَاجرٌ]» (٢) (٣) كذا في الْمَبْسُوطِ (٤) أسند هذا الحديث إلى عمر -رضي الله عنه- في الْمَبْسُوطِ (٥) كما ترى.

ولكن رفعه إلى النبي -عليه السلام- في الإيضاح كما هو المذكور في الكتاب ولأنّ في تنفيذ نكاحهما تعييبهما إذ النكاح عيب فيهما ففي هذا جواب عمّا استدلّ به مالك بأنّه يملك الطّلاق فيملك النكاح لأن في الطّلاق إزالة العيب فيملك إزالة العيب عن نفسه بالطّلاق ولا يملك التعييب بالنكاح.

فإن قلت: يشكل على هذا صحّة إقراره بالحدود والقصاص فإن وجوب قطع اليد في السّرقة ووجوب القصاص عيب فيهما على قول أبي يوسف ومُحَمَّد. -رحمهما الله-.

وأمّا على قول أَبِي حَنِيفَةَ -رحمه الله- فمنزلة الاستحقاق وهو أيضاً أقوى العيوب فولايته على هذا التعييب يبطل هذه النكتة.

قلت: العبد لا يصير مملوكًا لمالكه فيما يتعلّق به خطاب الشّرع ثم الحدود والقصاص إنّما وجبت عقوبة وجزاء على هتك حرمة لزمت العبد شرعًا وصيانة هتك المحرمات واجبة على من خوطب بها و العبد منه وما ثبت من التعييب ثبت في ضمن صيانة الواجب شرعًا لله تعالى فلا يبالي به وأمّا النكاح فعقد ازدواج واقتضاء شهوة كلّ واحد من الزّوجين من صاحبه فلا يملك إلا بملك الرقبة والرقبة للمولى فلا يصحّ بدون إذنه يوضحه أنّه لو باع رقبته أو رهنه بمال لم يجز، وإن كان منفعة ذلك يرجع إلى المولى فإذا تزوج ولا منفعة للمولى في عقده أولى أن لا يجوز، إلى هذا أشار في الْمَبْسُوطِ (٦) والأسرار وكذا المكاتبه [لا] (٧) تملك تزويج نفسها بدون إذن المولى وتملك تزويج أمتها وفي الأصل الأب والجدّ والوصي والقاضي والمكاتب والمضارب والشّريك المفاوض يملكون تزويج الأمة كذا في الخلاصة لما بيّنا وهو قوله لأنّه من باب الاكتساب وكذلك المدبّر.


(١) سورة النحل من الآية: ٧٥.
(٢) وفي (ب): (عاهر).
(٣) رواه ابن أبي شيبة بهذا اللفظ (٢/ ٥٣٤) برقم (١٦٨٦٢)، وأحمد (٢/ ٣٧٧) برقم (١٥٠٣١)، أبو داود كتاب النكاح باب في نكاح العبد بغير إذن سيده (٢/ ٢٢٨) برقم (٢٠٧٨)، والترمذى كتاب النكاح باب ما جاء في نكاح العبد بغير إذن سيده (٣/ ٤١١) برقم (١١١١)، وابن ماجه كتاب النكاح باب تزويج العبد بغير إذن سيده برقم (١٩٥٩) بلفظ "أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ (سَيِّدِهِ)، فَهُوَ عَاهِرٌ (زَانٍ) " من حديث جابر، ومن حديث ابن عُمر. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الْإسناد.
يُنْظَر: مستدرك الحاكم (٢/ ٢١١)، نصب الراية (٣/ ٢٠٣)، الدراية (٢/ ٦٤).
(٤) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ١٢٥).
(٥) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ١٢٥).
(٦) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ١٢٥).
(٧) ساقط من (ب).