للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: هذا البناء لا يستقيم بل الخيار لها باعتبار أن المولى كان وليها وعند التّزويج وهو غير الأب والجدّ فإذا ملكت نفسها بالإعتاق اختارت نفسها كما إذا زوج الصّغيرة أخوها أو عمّها ثمّ بلغت فلها خيار البلوغ.

قلنا: المولى تصرف فيها بحكم أنّه مالك لا أنّه ولي عليها على سبيل النّيابة عنها.

ألا ترى أنّ المهر له لا لها والتصرف بمعنى الملك يقع لازمًا كذا ذكر السؤال.

والجواب في الأسرار وقال زفر-رحمه الله- لا خيار لها لأن ثبوت الخيار في الأمة؛ ليعود العقد بغير رضاها؛ وسلامة المهر لمولاها، وهذا غير موجود ههنا فإنّ المهر لها، والنكاح ما نفذ إلا برضاها، فكان ابن أبي ليلى يقول: إن أعانها على أداء بدل الكتابة لا خيار لها وإن [لم] (١) يعنها فلها الخيار، ولكن الصّحيح الموافق لتعليل صاحب الشّرع ما بينا، ولو كانت حرّة في أصل العقد ثمّ صارت أمة ثم عتقت بأن ارتد رجل وامرأة ولحقا بدار الحرب معًا ثم سبيا معًا فأعتقت الأمة فلها الخيار عند أبي يوسف-رحمه الله-، ولا خيار لها عند مُحَمَّد -رحمه الله-؛ لأنّ بأصل العقد ثبت عليها ملك كامل برضاها ثم انتقض الملك بعارض الرق فإذا اعتقت عاد الملك الى اصله كما كان فلا يثبت الخيار لها وأَبُو يُوسُف-رحمه الله- يقول: بالعتق ملكت أمر نفسها، وازداد ملك الزّوج عليها، وذلك يثبت الخيار لها شرعًا، ولما صارت أمة حقيقة التحقت بالتي كانت أمة في الأصل في حكم النكاح، فيثبت لها الخيار بالعتق. كذا في الْمَبْسُوطِ (٢)، وإن تزوّجت أمة بغير إذن مولاها ثمّ أعتقت صحّ النكاح.

والحكم في العبد كذلك فإنّ العبد إذا تزوّج حره بغير إذن مولاه ثمّ أعتقه المولى جاز النكاح وكذلك لو باعه فأجاز المشتري كذا في (الْمَبْسُوطِ) (٣)، وعلّل بهذه العلّة التي علّل بها في الأمة فبعد ذلك كان تخصيص الأمة في الكتاب جاز أن يكون لبناء المسألة التي تليها عليها وهي المسألة المتعلّقة بالمهر وهي إنّما تتأتى في حق الأمة لا غير وذكر في الفوائد الظهيريّة إنما خصّها بالأمة لتفريع مسألة الخيار والخيار يختصّ بالإماء دون العبيد.

ولكن ههنا ذكر مسألة الخيار قبل هذا وكان تخصيصها بالأمة لما قلت والله أعلم.

قوله: -رحمه الله- ثُمَّ أُعْتِقَتْ: صَحَّ النِّكَاحُ (٤)؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ (٥).


(١) زيادة من (ب).
(٢) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ١٠٠).
(٣) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ١٢٦).
(٤) يُنْظَر: بداية المبتدي (١/ ٦٥).
(٥) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٢/ ٥١١).