للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ألا ترى أنّه وإن أعسر الزّوج حتّى لم يبق كفوًا لها أو أصابت جاهاً وشرفاً لم يكن لها خيار.

ولكن ثبوت الخيار لزيادة ملك الزّوج عليها.

وفي هذا لا فرق عندنا بين أن يكون حراً أو عبدًا والرواة اختلفوا في زوج بريرة روي أنّه كان عبدًا وروي أنّه كان حرًّا وأصحابنا قالوا ما روي أنّه كان عبدًا أي عند أصل العقد ولكنّه كان حرًّا عند عتقها ولما تعارضت الرّوايات في صفة زوجها يجعل كأنّه لم ينقل في ذلك شيء وبيع الاعتماد على قول رسول الله -عليه السلام-: «مَلَكْتِ بُضْعَكِ فَاخْتَارِي» (١)، وفي هذا التعليل لا فرق بين أن يكون الزوج حراً أو عبدًا كذا في الْمَبْسُوطِ (٢)، ولأنّه يزداد الملك عليها عند العتق لأنّها كانت تتخلّص من زوجها قبل العتق بطلاقين فبعد الإعتاق لا يتخلّص منه إلا بثلاث تطليقات فزاد ملك الزّوج عليها بسبب الإعتاق بتطليقة ثم هي لا تملك دفع تلك الزّيادة إلا بدفع أصل النكاح فخيرها الشّرع لذلك في رفع أصل النكاح أو ابقائه على ما كان وتلك الزيادة نصف الملك عليها فلها أن ترد ولا يمكن ذلك إلا بردّ الأصل فملكت إذ الأصل كعبد بين الاثنين كائنة.

أحدهما فللآخر أن يرد الكل لأنّ له أن يرد نصيبه ولا يمكنه إلا يرد الكلّ ولهذا لو اختارت نفسها كان فسخًا لاطلاق كخيار البلوغ لأنّ سبب هذا الخيار معنى في جانبها وهو ملكها أمر نفسها وكل فرقة كانت بسبب من جهة المرأة لا يكون طلاقاً.

فإن قلت: هذا التعليل الذي ذكر في الكتاب هو أن ثبوت الخيار لها بسبب ازدياد الملك عليها عند العتق إلى آخره غير لازم على الشّافعي أصلاً وجودًا وعدماً أعني وجود كون زوجها حراً أو عدمه أمّا وجودًا فإنّه لا يرى الخيار لها عند الإعتاق إذا كان زوجها حرًا والكلام فيها ولا يرى ازدياد الملك عليها.

وأمّا عدماً فإنّه لا يزداد الملك عليها أيضاً إذا كان زوجها عبدًا وإن أعتقت لما قلنا أنّه يرى عدد الطّلاق معتبراً بحال الرجال على ما يجيء في كتاب الطّلاق إن شاء الله فالزّوج لما كان عبدًا لا يزداد طلاق امرأته عن ثنتين وإن كانت امرأته حرّة فكيف ما دارت القصّة لا يراد إلزام هذه النكتة عليه فما وجه إلزامه لهذه النكتة؟

قلت: هذا تعليل مسألة مبنية على مسألة أخرى بيننا وبين الشّافعي أعني أنّ مسألة خيار العتاقة فيما إذا كان زوجها حرًا مبنية على مسألة أخرى وهي أنّ اعتبار عود الطّلاق معتبر عندنا بحال المرأة وعنده معتبر بحال الرجال حتّى أن العبد إذا كان تحت حرة ملك الطّلقات الثلاث عندنا وعنده التطليقتين فلمّا كان كذلك جعل المصنف -رحمه الله- تلك المسألة التي عليها وهو اعتبار عدد الطّلاق بحال المرأة بمنزلة المتّفق عليها لقيام الدّليل على ذلك لأنّ] (٣) الثّابت بالدّليل الظاهر كانت ثابت إجماعاً لقوّة الدّليل فعلى ذلك التّقدير يلزم ازدياد الملك عليها عند عتقها لا محالة وبهذا الذي قلته من دعوى البنا صرّح صاحب الأسرار والإيضاح فقال: في الأسرار بعد ذكر حديث بريرة -رضي الله عنه-: وأمّا المعنى فبناء على مسألة أخرى وهي أن ملك النكاح على الحرة عندنا على الضّعف من ملك الأمة فبالعتق يزداد عليها نصف الملك.


(١) سبق تخريجه (ص ١٥٥).
(٢) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ٩٩).
(٣) ساقط من (ب): بمقدار لوح ونصف [٣٠٧ ب و ٣٠٨ أو ٣٠٨ ب]، [بالقصاص وإيقاع … على ذلك لأنّ].