للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وحجّتنا في ذلك حديث عمر -رضي الله عنه- على ما يوافق مذهبنا، وحديث عقبة دليلنا فإنّ رسول الله -عليه السلام- أعرض عنه في المرّة الأولى والثّانية فلو كانت الحرمة ثابتة لما فعل ذلك لما رأى منه طمأنينة القلب إلى قولها حيث كرّر السؤال أمره أن يفارقها احتياطاً.

والدّليل على أنّ الشّهادة كانت عن ضِغْن (١) فإنّه قال جاءت امرأة سوداء تستطعمنا فأبينا أن نطعمها فجاءت تشهد على الرضاع وبالإجماع بمثل هذه الشّهادة لا تثبت الحرمة فعرفنا أنّ ذلك كان احتياطاً على وجه التنزه وإليه أشار -عليه السلام- في قوله: «كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ» (٢)، وعندنا إذا وقع في قلبه أنّها صادقة فالأحوط أن يتنزّه عنها ويأخذ بالثّقة سواء أخبرت بذلك قبل عقد النكاح أو بعده وسواء شهد به رجل أو امرأة فأما القاضي فلا يفرق بينهما ما لم يشهد به رجلان أو رجل وامرأتان كذا في الْمَبْسُوطِ (٣).

ولنا أنّ ثبوت الحرمة لا تقبل الفصل عن زوال الملك في باب النكاح فإنّ بقاء النكاح لا يتصوّر مع ثبوت الحرمة للمؤبدة فإذا لم يبطل النكاح بخبر الواحد لا تثبت الحرمة.

فلذلك حلّ له إمساكها ووطئها لأنّ ملك النكاح لم يبطل بهذه الشّهادة كذا في فتاوى قاضي خان -رحمه الله- والله أعلم بالصّواب.


(١) ضغن: الضَّادُ وَالْغَيْنُ وَالنُّونُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَغْطِيَةِ شَيْءٍ فِي مَيْلٍ وَاعْوِجَاجٍ الضِغْنُ والضَغينَةُ: الحِقد، وقد ضَغِنَ عليه بالكسر ضَغَناً. مِنْ ذَلِكَ الضِّغْنُ وَالضَّغَنُ: الْحِقْدُ.
يُنْظَر: الصحاح (٦/ ٢١٥٤)، مقايس اللغة (٣/ ٣٦٤) وغيرهما.
(٢) سبق تخريجه (ص ٣٣٠).
(٣) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ١٣٨).