للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحدهما: أنّ النّهي (١) دليل ظاهر على تحقّق المنهي عنه؛ لأن النّهي عما لا يتحقّق لا يكون، فإن موجب النّهي الانتهاء على وجه يكون المنهيّ عنه فيه مختاراً حتّى يستحقّ الثّواب، إذا انتهى، ويستوجب العقاب إذا اقدم، وما لم يكن المنهيّ عنه متحققاً لا يتصوّر كونه مختاراً في الانتهاء.

والثّاني: أنّ النّهي متى كان لمعنى في غير المنهي عنه لا يعدم المنهيّ عنه، ولا يمنع نفوذه شرعًا كالنّهي عن الصّلاة في الأرض المغصوبة (٢)، وههنا النّهي بمعنى في غير الطّلاق من تطويل العدة، واشتباه أمر العدة عليها، وسدّ باب التلاقي عند العدم فلا يمنع بعوده.

وهذا بخلاف الوكيل؛ فإنه يعود تصرفه بأمر الموكل (٣)، فإذا خالف المأمور لم ينفذ، وههنا يعود تصرفه بحكم ملكه، وهو بعقد النكاح صار مالكًا للتطليقات والملك عليه تام، ليعود التّصرف ممن هو من أهل التّصرف، وإن لم يكن مأموراً به ولا مأذونًا فيه، بخلاف الصبي (٤) والمعتوه (٥)؛ لأن الأهليّة لإيقاع الطّلاق غير متحقّقة فيهما (٦).

وذكر الإمام التمرتاشي (٧) -رحمه الله- بين النّاس اختلاف في وقوع الثّلاث في هذه الصورة، وهذا الاختلاف غير معتدّ به، حتى لا يسع للقاضي أن يقضي به ولو قضى لا ينفذ (٨).


(١) النهي: ضد الأمر، وهو قول القائل لمن دونه: لا تفعل. التعريفات (ص: ٢٤٨).
وفي الاصطلاح: النَّهْيِ هُوَ التَّحْرِيمُ وهو طلب الترك بالقول ممن هو أعلى. أو هو: القول الطالب للترك على سبيل الاستعلاء. ينظر: التقرير والتحبير على تحرير الكمال بن الهمام (١/ ٣٣٣)، وأصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله (ص: ٢٧٠).
(٢) تجزئه الصَّلَاةُ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ. يُنْظَر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٢/ ١٣٠)، الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (١/ ٨٨).
(٣) الموكل صاحب الشأن بالعمل الذي وكل فيه غيره. انظر: الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي (٥/ ٤١١٦).
(٤) صَبَى: يَدُلُّ عَلَى صِغَرِ السِّنِّ. ينظر: مقاييس اللغة (٣/ ٣٣١)
(٥) المعتوه: ناقص العقل، مختلط الكلام، فاسد التدبير. انظر: معجم لغة الفقهاء (ص: ٤٣٩).
(٦) المبسوط للسرخسي (٦/ ٥٧، ٥٨) وفيه تصرف يسير.
(٧) هو أحمد بن إسماعيل بن محمد بن أيدغمش، أبو العباس التمرتاشي، عالم بالحديث، حنفي، كان مفتي خوارزم. نسبته إلى تمرتاش (من قراها)، صنف شرح الجامع الصغير والفرائضوالتراويح توفي سنة ستمائة وعشره. انظر: تاج التراجم لابن قطلوبغا (ص: ١٠٨)، والأعلام للزركلي (١/ ٩٧).
(٨) ينظر: البناية شرح الهداية (٥/ ٣٤٤)، البحر الرائق (٣/ ٢٨٥).