للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: ينبغي أن يكون الطّلاق في حالة الحيض مكروهًا في حق غير المدخول أيضاً؛ لقوله النبيّ -عليه السلام- لعمر (١) -رضي الله عنه-: «إن ابنك أخطأ السنة» (٢)، والعبرة لعموم اللّفظ (٣)، وهو الطّلاق في حالة الحيض، فتعم المدخول بها وغير المدخول بها.

قلنا: كان ذلك في حقّ المدخول بها بدليل آخر ذلك الحديث وهو مدّة فليراجعها؛ لأنّ الشّهر في حقها قائم مقام الحيض.

فإن قيل: لما أقيم الشّهر مقام الحيض، فإذا وقع الطّلاق في أيّ شهر، كان من الأشهر الثّلاثة، كان موقعًا للطّلاق في الحيض، فكان حراماً كما في حالة الحيض.

قلنا: الْخُلْفُ تَبَعٌ لِلْأَصْلِ بِحَالِهِ لَا بِذَاتِهِ؛ أي لا يقوم مقامه من جميع الوجوه، فإنّ الشّهر في حقّ الآيسة طهر حقيقة، وإنّما أقيم الشّهر مقام الحيض في حق انقضاء العدّة والاستبراء.

وذكر شيخ الإسلام (٤): فلو كانت الأشهر بدلاً عن الإقراء (٥) في حق جميع الأحكام، لكان الطّلاق بعد الجماع محرمًا، كما في حق ذوات الإقراء، فلما لم يحرم علم أنّ الأشهر قامت مقام الحيض في حقّ تعلّق انقضاء العدّة بها لا غير (٦)، {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} (٧) أي: من الصغائر اللاتي لم يبلغن، أو اللاتي بلغن بغير حيض، كذلك يعتدون بثلاثة أشهر، كذا في «التّيسير» (٨) (٩).


(١) عمر بن الخطّاب بن نفيل القرشي العدوي -رضي الله عنه-، أبو حفص أمير المؤمنين، أسلم في السنة السادسة من النبوة، وله سبع وعشرون سنة، كان إسلامه فتحًا على المسلمين، وهو أحد الخلفاء الراشدين والعشرة المبشرين بالجنة، قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أرحم أمتي أبو بكر، وأشدها في دين الله عمر، استشهد في أواخر ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين. انظر: الإصابة في تمييز الصحابة (٤/ ٤٨٤)، والتاريخ الكبير للبخاري (٦/ ١٣٩)، سير أعلام النبلاء (٢/ ٣٩٧).
(٢) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (مسند عبدالله بن عمر بن الخطاب/ ١٣٩٩٧)، وَقَالَ البيهقي: "أَتَى عَطاء الخراساني فِي هَذَا الحَدِيث بِزِيَادَات لم يُتَابع عَلَيْهَا وَهُوَ ضَعِيف". انظر: الدراية في تخريج أحاديث الهداية (٢/ ٦٩).
(٣) انظر: كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (١/ ٢٩٦).
(٤) علي بن محمد بن إسماعيل بن علي بن أحمد بن محمد بنإسحاق الاسبيجابي، شيخ الإسلام، السمرقندي سكن سمرقند، وصار المفتي، والمقدم بها لم يكن بما وراء النهر في زمانه من يحفظ المذهب مثله، له كتب، منها الفتاوى وشرح مختصر الطحاوي. توفي بسمرقند سنة خمس وثلاثين وخمسمائة. انظر: تاج التراجم لابن قطلوبغا (ص: ٢١٣)، التحبير في المعجم الكبير (١/ ٥٧٨)، الأعلام للزركلي (٤/ ٣٢٩).
(٥) الْأَقْرَاء: الحَيْض، والأقراء: الْأَطْهَار، وَقد أقرأتِ الْمَرْأَة فِي الْأَمريْنِ جَمِيعًا، وأصلُه من دُنُوِّ وَقت الشَّيْء. انظر: تهذيب اللغة (٩/ ٢٠٩).
(٦) انظر: العناية شرح الهداية (٣/ ٤٧٥)، البناية شرح الهداية (٥/ ٢٩٠).
(٧) [الطلاق: ٤]
(٨) التيسير، في التفسيرلنجم الدين، أبي حفص: عمر بن محمد النسفي، الحنفي. المتوفى: بسمرقند، سنة ٥٣٧ هـ، وهو من الكتب المبسوطة في هذا الفن وهو غير مطبوع فيما أعلم. ينظر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (١/ ٥١٩).
(٩) انظر: العناية شرح الهداية (٣/ ٤٧٥)، البناية شرح الهداية (٥/ ٢٩٠).