للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأجاب عنه وقال: دليل الحاجة موجود، وهو قيام ملكه، فجاز أن يكون الزّوج محتاجاً إلى سدّ باب التّزوج لبدايته فيها، أو لمعنى آخر، فكانت حاجة نافية إلى استكمال الثلاث بالتّفريق، فيجب على هذا التّعليل أن يباح إرسال الثّلاث جملة أيضاً، لكن لما كانت العلة على ذلك التّقدير معارضة للنصّ لم يؤثر، فأثرت عند عدم المعارضة، وهو استكمال الثلاث بالتّفريق على الأطهار.

قوله -رحمه الله-: والْمَشْرُوعِيَّةُ فِي ذَاتِهِإلى آخره هذا جواب عمّا قاله الخصم (١)، وهو قوله وَالْمَشْرُوعِيَّة لَا تُجَامِعُ الْحَظْرَ (٢).

وإنّا نقول: الحظر جاء لمعنى في غير الطّلاق - وهو ما ذكرناه - وهو قوله: فيه قَطْعِ النِّكَاحِ الَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِ الْمَصَالِحُوسنّة النبي -عليه السلام-، ولكن ليس في نفس الطّلاق حظر؛ لأنّ نفسه إزالة [٣٢٢/ أ] الرق وهي محمودة، وليست بمحظورة، فصار هو كالصّلاة في الأرض المغصوبة، فإنّها مكروهة باعتبار الغصب، لا أنّها مكروهة في ذاتها (٣).

قوله -رحمه الله-: لما قلنا، إشارة إلى قوله: وَلَا حَاجَةَ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الثَّلَاثِ، وسنة في العدد، وهي إيقاع الواحدة في طهر لم يجامعها فيه، ويصير إلى أن ينقضي الأجل، وكذلك السنّة في الوقت هي أن يختار الوقت، وَهُوَ الطُّهْرُ الْخَالِي عَنْ الْجِمَاعِ، لإيقاع الطّلاق، ولكن الافتراق بينهما هو أن المقصود في سنة الوقت هو الطّهر الخالي عن الجماع، وفي سنة العدد المقصود هو رعاية جانب العدد؛ فلذلك لم يختلف في سنة العدد المدخول بها وغير المدخول بها، غير أنّهما يختلفان في حقّ الوقت، ففي حق المدخول بها بشرط الوقت وهو الطهر الخالي عن الجماع؛ لكون الطّلاق سنياً وفي غير المدخول بها لا بشرط، حتّى أنّه لو طلّقها في حالة الحيض لا يكون بدعيًا، لما أنّ الرغبة فيها صادقة لعدم الدّخول بها، وإنّما سمى الواحد عددًا مجازاً لأنّه أصل العدد (٤).

وَلَنَا أَنَّ الرَّغْبَةَ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا صَادِقَةٌ لَا تَقِلُّ بِالْحَيْضِ، فكان الطّلاق في حالة الطهر مشروعًا بلا كراهة نظرًا إلى دليل الرّغبة.


(١) المراد هنا الشافعي انظر: العناية شرح الهداية (٣/ ٤٧١).
(٢) ينظر: الأم للشافعي (٥/ ١٩٣).
(٣) المبسوط للسرخسي (٢/ ٨٨).
(٤) انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٣/ ٩٦)، المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٣/ ٢٠٠)، الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (٢/ ٣١).