للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(لما فيه من النِّكَاحِ الَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِالْمَصَالِحُالدِّينِيَّةُ وَالدُّنْيَوِيَّةُ).

أما الدينيّة؛ فلأنّ فيه حفظ نفسه عن الزّنى وحفظ المرأة عن الزنا، وفيه تكثير الموحدين وتحقيق مباهاة سيّد المرسلين بكثرة أمته.

وأمّا الدنيوية؛ فلأن بالنكاح يقوم أمر المعيشة؛ لأنّ المرأة تعمل داخل البيت والرجل خارجه، فينتظم أمرهما، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ فِيهِ مَعْنَى الْحَظْرِ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ مِنْ حِبَالَةِ النِّكَاحِ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِتَفْرِيقِ الطَّلَاقِ علىالْأَطْهَارِ (١) ثابته؛ أي: والحاجة ثابتة في التفريق على الْأَطْهَارِ] نظراً إلى دليلها أي دليل الحاجة وهو الإقدام على الطّلاق في زمان تجدد الرغبة وهو الطّهر (٢).

فإن قلت: لو كانت الإباحة دائرة مع دليل الحاجة - وهو الإقدام على الطّلاق في زمان تجدّد الرغبة، وهو الطّهر على ما ذكرت - ينبغي أن لا يتفاوت بين إرسال الثلاث جملة في ذلك الوقت، أو قرن الثّلاث لوجود دليل الإباحة عند إرسال الثلاث أيضاً، وهو الإقدام على الطّلاق في زمان تجدّد الرّغبة.

قلت: نعم كذلك فإنّ دليل الإباحة قد وجد، ولكن عارضه دليل الحرمة، وهو مخالفة السنّة لقوله -عليه السلام-: «أنّ من السنّة أن يستقبل الطهر استقبالاً» (٣)، وحديث عبادة بن صامت إثبات المعصية عند إرسال الثّلاث جملة وغيرهما من النّصوص، والعلّة (٤) لا تعمل في معارضة النصّ (٥)، وإنّما عملها عند عدم النصّ والحاجة في نفسها باقية، هذا جواب سؤال مقدّر؛ ذكره فخر الإسلام (٦) -رحمه الله-، وفي «المبسوط» (٧) وهو أنّ الأصل في الطّلاق لو كان الحظروالإباحة تعارضه لكان لا يباح الطّلاق الثّاني والثّالث، وإن فرقهما على الأطهار لانقضاء الحاجة بالواحدة؛ لأنّ الخلاص بالواحدة يتحقّق.


(١) يُنْظَر: الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (٢/ ٣١).
(٢) سقط من (ب).
(٣) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (مسند عبدالله بن عمر بن الخطاب\ ١٣٩٩٧)، وَقَالَ البيهقي: "أَتَى عَطاء الخراساني فِي هَذَا الحَدِيث بِزِيَادَات لم يُتَابع عَلَيْهَا وَهُوَ ضَعِيف". ينظر: الدراية في تخريج أحاديث الهداية (٢/ ٦٩).
(٤) العلة في اللغة: الْمَرَضُ. مقاييس اللغة (٤/ ١٤).
العلة: هي ما يتوقف عليه وجود الشيء ويكون خارجًا مؤثرًا فيه. وقيل: هي المعنى الجالب للحكم، وقيل: المعنى الذي تعلق به الحكم. انظر: العدة في أصول الفقه (١/ ١٧٦)، التعريفات (ص: ١٥٤).
(٥) قال السرخسي: التعليل في معارضة النص أو فيما يبطل حكم النص باطل بالاتفاق. انظر: أصول السرخسي (٢/ ١٦١)، والإحكام في أصول الأحكام للآمدي (٣/ ٢٢٠).
(٦) علي بن محمد بن الحسين بن عبد الكريم بن موسى بن عيسى بن مجاهد، أبو الحسن، فخر الإسلام البزدوي، الفقيه بما وراء النهر، كَانَ أَحَدَ مَنْ يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ فِي حِفْظ المَذْهَب حدث عَنْهُ صَاحِبه أَبِي المَعَالِي مُحَمَّدِ بن نَصْرٍ الخَطِيْب، نسبته إلى " بزدة " قلعة بقرب نسف. له تصانيف، منها (المبسوط - كنز الوصول)، توفي سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة. انظر: تاج التراجم لابن قطلوبغا (ص: ٢٠٥)، وسير أعلام النبلاء (١٨/ ٦٠٣)، والأعلام للزركلي (٤/ ٣٢٨).
(٧) المبسوط للسرخسي (٦/ ٤).