للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: تعارضت جهة الرغبة مع جهة الفتور، فتساقطتا بالمعارضة، فرجعنا إلى الأصل، وهو أنّ الأصل في الطّلاق الحظر؛ لما مرّ، فيحرم عدم الفصل بين وطئها بطلاقها كما في ذوات الحيض.

قلنا: الطّهر زمان الرغبة، فلما عارضة فتور الرغبة بالجماع تساويا، فترجّحت جهة الرغبة بعد معارضتهما الْوَطْءِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُعَلَّقٍ، أو يكون تعارض الفتور بالجماع مع الرّغبة المعنيّة، وهي الرغبة في وطء غير معلّق، فبقي تعيّن الرغبة باعتبار أنّ الزّمان زمان الطّهر، وذلك لأنّ انتفاء المعيّن لا يوجب انتفاء، ونفس الرغبة كافية لنفي الكراهة لصلاحتها لدليل الحاجة، والشّرع ورد بالتّفريق على فصول العدّة، وفصول العدة هي الأشهر، والحيض والشّهر في حق الحامل ليس من فصولها، وَلَا يُرْجَى مَعَ الْحَملِ.، أي: لا يرجى تجدّد الطّهر مع الحمل؛ لأنّ الحيض غير ممكن، فلا يمكن الطّهر؛ لأنّ النّهي عنه بمعنى في غيره.

قال شيخي -رحمه الله-: (١) الْمُرَادَ بِالنَّهْيِ هَاهُنَا هُوَ النَّهْيُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ ضِدِّ الْأَمْرِ الْمَذْكُورِ في قوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (٢) أي: لإظهار عدّتهن، والأمر المذكور في قوله -عليه السلام-: «مر ابنك فليراجعها» (٣) لما أنّه كان مأموراً برفع الطّلاق الواقع في حالة الحيض لأجل الحيض، كان منهيًّا عن إيقاع الطّلاق في حالة الحيض (٤).

قوله -رحمه الله-: وهو ما ذكرنا، إشارة إلى قوله: لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا لَا الطَّلَاقِ؛ وذلك لأنّ الحيض الذي وقع الطّلاق فيه لا يعتبر من العدّة، فيطول العدة، وهذا يفيد الوقوع؛ لأنّ المراجعة إنّما تكون بعد وقوع الطّلاق؛ ولأنّه ذكر عند عمر -رضي الله عنه- في الشّورى (٥) ابنه قال: "سبحان الله! أقلّد أمور المسلمين من لم يخش طلاق امرأته، فطلّقها في حالة الحيض"، فهذا إشارة منه إلى أن ذلك كان واقعًا، خلافاً للروافض (٦) على ما ذكرنا، عملاً بحقيقة الأمر، وهي نزولاًيقال هذا الأمر يثبت الوجوب على عمر بأن يأمر ابنه بالمراجعة فكيف يثبت وجوب المراجعة بقول عمر.


(١) ينظر: العناية شرح الهداية (٣/ ٤٨٠).
(٢) [الطلاق: ١]
(٣) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (مسند عبدالله بن عمر بن الخطاب/ ١٣٩٩٧). وَقَالَ البيهقي أَتَى عَطاء الخراساني فِي هَذَا الحَدِيث بِزِيَادَات لم يُتَابع عَلَيْهَا وَهُوَ ضَعِيف. انظر: الدراية في تخريج أحاديث الهداية (٢/ ٦٩).
(٤) يُنْظَر: العناية شرح الهداية (٣/ ٤٨٠)، البناية شرح الهداية (٥/ ٢٩٢)
(٥) من المشاورة، قال اللّه تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} أي: يتشاورون فيه. انظر: شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم (٦/ ٣٥٨٢).
(٦) يَقُوْلُوْنَ بِاثْنَي عَشَرَ إِمَامًا أَوَّلُهُم عَلِيُّ بْنُ أَبي طَالِبٍ وَآخِرُهُم الإِمَامُ المُنْتَظَرُ. انظر: المُعْجَمُ الوَسِيْطُ (١/ ١٠١).