للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَمَّا الْإِقْرَارُ بِالْحُدُودِ فَإِنَّ السَّكْرَانَ لَا يَكَادُ يَثْبُتُ على شيء، فيجعل راجعًا عمّا أقرّ، فيؤثر السكر فيما يحتمل الرجوع.

ثم اعلم أنّ ههنا اختلاف الروايتين، وذلك لأنّ فخر الإسلام (١) -رحمه الله- جعل السّكر على نوعين مباح ومحظور، ثمّ رتب هذه الأحكام، وهي وقوع الطّلاق والعتاق على السّكر المحظور، دون المباح، وجعل السّكر من المباح بمنزلة الإغماء في حق منع وقوع الطّلاق والعتاق، ثم قال: أمّا السّكر المباح فمثل من أكره على شرب بالقتل، فإنّه يحل له، وكذلك المضطر إذا شرب منها ما يرد به العطش فسَكَّرتْه (٢)، وأمّا السكر المحظور فهو السّكر من كل شراب محرم يعني] إذا شرب طايعًا (٣)، ويستفاد ذلك من قوله: (محرم)، وجعل الإمام أبو الفضل الكرماني (٤) -رحمه الله- في «الإيضاح» (٥) (٦) حكم جميع السكر بمنزلة حكم السكر المحظور سوى سكر البنج، وقال: ولو أكره على الشّرب أو شرب الخّمر عند الضّرورة، فسكر فإن طلاقه واقع؛ لأن زوال العقل حصل بفعل هو محظور في الأصل، فإن حظر الفعل وإن زال يعارض الإكراه، لكن السّبب الدّاعي إلى الحظر قائم، فأثر قيام السّبب في حقّ الطّلاق حَتَّى لَوْ شَرِبَ فَصُدِعَ إلى أن قال: لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ (٧).


(١) انظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (١/ ١٨٨)، والاختيار لتعليل المختار (٣/ ١٢٤).
(٢) انظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (١/ ١٨٨)، والاختيار لتعليل المختار (٣/ ١٢٤).
(٣) سقط من (ب).
(٤) عبد الرحمن بن محمد بن أميرويه بن محمد، العلامة أبو الفضل الكرماني. شيخ الحنفية بخراسان في زمانه، الأرسابندي، كان فقيهاً فاضلاً عارفاً بالمذهب، ورعاً، عفيفاً، مبالغاً في الاحتياط، وله كتاب "شرح الجامع الكبير"، وكتاب "التجريد" وشرحه بكتاب سماه "الإيضاح"، مات سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة. يُنْظَر: تاج التراجم لابن قطلوبغا (ص: ١٨٤)، والتحبير في المعجم الكبير (١/ ٤٠٥)، الأعلام للزركلي (٣/ ٣٢٧).
(٥) الإيضاح في الفروع، للإمام، أبي الفضل: عبد الرحمن بن محمد الكرماني، الحنفي، لم يطبع فيما أعلم. ينظر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (١/ ٢١١).
(٦) يُنْظَر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٢/ ١٩٦)
(٧) انظر: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (١/ ٣٨٥)، والاختيار لتعليل المختار (٣/ ١٢٤).