للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولكن لتحقيق ما هو المقصود، وهو حلّ المحليّة لتحقيق المقصود.

ألا ترى أن من كان أبعد عن الإسلام لم يثبت في حقه حلّ المحلية كالمجوسيّة (١)، والشّافعي -رحمه الله- (٢) نظر إلى صورة العقد والملك، ونحن (٣) نظرنا إلى المعنى المطلوب من العقد، وإذا ثبت أنّه من باب الكرامة يجب أن ينتقص بسبب الرق، وقد تعذّر إظهار النقصان في نفس الحل؛ لأنّه لا يقبل الوصف بالتجزي فأظهرنا أثره في تحديد العقد عليها فيملك التّجديد في حق الحرة مرّتينوفي حق الأمة مرّة واحدة كذا في «الإيضاح» (٤).

ثم المراد من قوله: (إلَّا أَنَّ الْعُقْدَةَ لَا تَتَجَزَّأُ فَتَكَامَلَتْ عُقْدَتَانِ)، أي: إلا أنّ العقدة لا تتجزأ فيتكامل الطلقتين، فإنّ العقدة تستعمل بمعنى الطلقة - على ما يجيء من لفظ «المبسوط» (٥) -؛ لما أنّ العقدة سبب للطلقة فسمّى السّبب باسم المسبّب، ويحتمل أن يكون المراد من العقدة ما هو المذكور في «الإيضاح» (٦) هو أنّ الحلّ الذي هو نعمة في حقهما لا يحصل إلا بالعقد، فكان يجب أن ينصف العقد، فيكون للحرّة عقد تام، وللأمة نصف عقد ولكن العقد لا ينصف ولا يتجزأ فيتكامل العقد للأمة، فلما حصل لها عقد لضرورة التّمليك حصل للحرة عقدان تحقيقًا للتّضعيف في حق الحرّة، ثم التنضيف بالعقد الواحد، والتّضعيف بالعقدين إنّما يتحقّق إذا كان منتهى طلاق الأمة يتبين، ومنتهى طلاق الحرة ثلاثاً إذا طلق الأمة واحدة بائنة بحل بعقد، ثم إذا طلّقها أخرى انتهى الحلّ في الحرّة ينتهي الحلّ بعد العقدين بالطّلقة الثّالثة، فصار منتهى حل الحرّة بالعقدين، ومنتهى حلّ الأمة بالعقد الواحد، وتفسير هذا ما ذكر في «الأسرار» (٧) (٨)، فقال فيه: ثمّ أنّ هذا الوصف وهو حلّ الحرة في حكم ضعف حلّ الأمة، وحلّ الأمة على النّصف، حيث ينصف برقها كم يتّصف برقها كما يتصف حلاً لعبد برقه وإذا صار على النّصف، فإن بنصف ما يفوت به حلّ الحرّة وهو تطليقة، ونصف إلا أنّها لا يتجزأفصارت ثنتين، ومعنى المذكور في الكتاب على هذا التّفسير هو أن حلّ المحلية لما كان نعمة في حقّ المرأة وجب تنصيفه في حقّ الأمة عند تفويت ذلك الحلّ بالطّلاق، ثم تفويت الحلّ في حقّ الحرّة بثلاث عقد أي بثلاث تطليقات، كان في حق الأمة تطليقة ونصف، تحقيقاً للتّنصيف ولكن لا يمكن تجزيه التطليقة فكملناها نقلنا في حق الأمة عقدتان؛ أي: تطليقان وفي حقّ الحرة ثلاث تطليقات (٩).


(١) الْمَجُوسُ هُمْ عَبَدَةُ النَّارِ، الْقَائِلُونَ أَنَّ لِلْعَالَمِ أَصْلَيْنِ اثْنَيْنِ مُدَبِّرَيْنِ، يَقْتَسِمَانِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ، وَالنَّفْعَ وَالضَّرَّ، وَالصَّلَاحَ وَالْفَسَادَ، أَحَدُهُمَا النُّورُ، وَالآْخَرُ الظُّلْمَةُ. انظر: الملل والنحل للشهرستاني (١/ ٢٣٢).
(٢) انظر: الأم للشافعي (٥/ ٢٣٢).
(٣) يُنْظَر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٣/ ٢٨).
(٤) يُنْظَر: الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (٣/ ٤٠٠).
(٥) المبسوط للسرخسي (٦/ ٤٠).
(٦) يُنْظَر: الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (٣/ ٤٠٠).
(٧) الأسرار في الأصول والفروع، للشيخ، العلامة أبي زيد: عبيد الله بن عمر الدبوسي، الحنفي، المتوفى: سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة وهو غير مطبوع فيما أعلم. ينظر كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (١/ ٨١).
(٨) انظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٢/ ١٦٦).
(٩) انظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٢/ ١٦٦).