للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: أليس أنّه لو قال لها: أنت طالق ثلاثة أرباع تطليقتين إلا ثنتين، لم تطلق ولم يقل هذا وقع ثلاث مرّات ربع تطليقتين وربع التّطليقتين نصف تطليقة، ومن أوقع على امرأته ثلاث مرّات نصف تطليقة يطلق ثلاثاً (١).

قلنا: جواب هذا اللّفظ غير محفوظ قضاء، وبعد التّسليم الفرق واضح، فإن الأجزاء التي أوقعها هناك وهي ثلاثة أرباع موجودة في التّطليقتين؛ لأنّ ربع تطليقتين نصف تطليقة فثلاثة أرباع تطليقتين تطليقة ونصف فيقع تطليقتان، فلا حاجة إلى صرف الكلام عن ظاهره، وههنا الأجزاء التي أوقعها غير موجودة في التّطليقتين؛ إذ ليس للتطليقتين ثلاثة أنصاف فلا وجه لتصحيح كلامه، إلا ما ذكرنا وكلام العاقل محمول على الصحّة، فلهذا جعلنا كأنّه طلقها ثلاث مرات نصف التّطليقتين - كذا في «الجامع الصّغير» (٢) لشمس الأئمة السّرخسي (٣) (٤) رحمه الله-ولو قال: أنت طالق من واحدة إلى ثنتين إلى آخره.

وحاصله أنّ الأقسام الثلاثة موجودة من الأقسام الأربعة التي اقتضتها] القسمة (٥) (٦) العقلية، ولم يوجد الرّابع، وهو أن يدخل الغاية الثّانية دون الأولى، وذلك أن عندهما تدخل الغايتان، وعند زفر (٧) لا يدخل الغايتان، وعند أبي حنيفة (٨) -رحمه الله- يدخل الغاية الأولى دون الثّانية وقال زفر-رحمه الله-: في الأولى لا يقع شيء إلى آخر، وقد حاج الأصمعيّ (٩) زفر في هذه المسألة عند باب الرّشيد (١٠)، فقال له الأصمعيّ: ما قولك في رجل] قيل له (١١) كم سنك؟ فقال: ما بين ستين إلى سبعين، أيكون ابن تسع سنين فيتحير زفر-رحمه الله-، واستحسن في مثل هذا كذا ذكره فخر الإسلام -رحمه الله- (١٢).


(١) انظر: العناية شرح الهداية (٤/ ١٧).
(٢) ينظر: العناية شرح الهداية (٤/ ١٧)، الجامع الصغير (١٩٥).
(٣) محمد بن أحمد بن أبي سهل، أبو بكر السرخسي، شمس الأئمة صاحب المبسوط كان عالمًا، أصوليًّا، مناظرًا، أحد الفحول الْأَئِمَّة الْكِبَار أَصْحَاب الْفُنُون، كَانَ إِمَامًا عَلامَة حجَّة لزم أَبَا مُحَمَّد عبد الْعَزِيز الْحلْوانِي، مَاتَ في حُدُود التسعين وَأَرْبع مائَة، يُنْظَر: تاج التراجم لابن قطلوبغا (ص: ٢٣٤)، والجواهر المضية في طبقات الحنفية (٢/ ٢٨)، معجم المؤلفين (٨/ ٢٦٧).
(٤) شرح الجامع الصغيرفي الفروع، للإمام الشيباني، لمؤلفه شمس الأئمة، أبو بكر: محمد بن أحمد بن أبي بكر سهل السرخسي، لم يطبع فيما أعلم. انظر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (١/ ٥٦٣).
(٥) الْقِسْمَة بِكَسْر الْقَاف: الِاسْم من قَوْلك قسم المَال يقسمهُ قسمًا، بِالْفَتْح وقاسمه وتقاسما واقتسموا وتقاسموا. يُنْظَر: تحرير ألفاظ التنبيه (ص: ٣٣٦).
(٦) سقط من (ب).
(٧) يُنْظَر: البناية شرح الهداية (٥/ ٣١٦).
(٨) يُنْظَر: البناية شرح الهداية (٥/ ٣١٦).
(٩) أَبُو سَعِيْدٍ عَبْدُ المَلِكِ بنُ قُرَيْبِ الأَصْمَعِيُّ، البَصْرِيُّ، اللُّغَوِيُّ، الأَخْبَارِيُّ، أَحَدُ الأعلَامِ .. قدم بغداد في أيام هارون الرشيد، من تصانيفه الكثيرة: نوادر الاعراب، الاجناس في أصول الفقه، المذكر والمؤنث، كتاب اللغات، وكتاب الخراج، مَاتَ الأَصْمَعِيُّ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمَائَتَيْنِ، وقد قارب التسعين. انظر: تاريخ دمشق (٣٧/ ٨٨)، معجم المؤلفين (٦/ ١٨٧).
(١٠) الرشيد هارون، أمير المؤمنين أبو جعفر بْن محمد المهديّ ابن المنصور، ولد بالري، واستخلف بعد وفاة أخيه موسى الهادي، كان من أميز الخلفاء وأجل ملوك الدنيا، كان شجاعاً كثير الحج والغزو، حج في خلافته ثماني حجج، وقيل تسع، وغزا ثماني غزوات، ولم يحج خليفة بعده، وكان في أيامه فتح هرقلة. تُوُفّي سنة ثلاثٍ وتسعين ومائة. يُنْظَر: تاريخ الإسلام (٤/ ١٢٢٦)، تاريخ بغداد وذيوله (١٤/ ٦)، فوت الوفيات (٤/ ٢٢٥).
(١١) زيادة في (ب).
(١٢) يُنْظَر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٢/ ٢٠٢)، والبناية شرح الهداية (٥/ ٣١٨).