للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله: ثُمَّ الْغَايَةُ الْأُولَى لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَوْجُودَةً لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا الثَّانِيَةُ، ولا ثانية قبل الأولى ولابدّ للكلام من الابتداء، فإذا لم تقع الأولى كما قال زفر (١)، تصير الثّانية ابتداء.

فلا يمكن إيقاعهما أيضاً؛ فلأجل هذه الضّرورة أدخلت الغاية الأولى، ولا ضرورة في الغاية الثّانية، فأخذنا فيها بالقياس كما قال زفر (٢) -رحمه الله-: وحاصله أنّه لما لم يتصوّر وقوع الثّانية [٣٢٧/ أ] إلا بعد وقوع الأولى أوقعنا الأولى، وهذا المعنى لا يوجد في الغاية الأخيرة ولأنّه يتصوّر وقوع الثّانيّة بدون الثّالثة.

فإن قيل: أليس أنّه لو قال لها: أَنْت طَالِق تَطْلِيقَة بَائِنَة، لم يقع إلا واحدة.

ولا يقال من ضرورة وقوع الثّانية وقوع الأولى.

قلنا: لأنّ قوله بائنة صار لغوًا هناك، وقوله ههنا من واحدة إلى ثلاث كلام معتبر في إيقاع الثّانية، ولا يتحقّق ذلك إلا بعد إيقاع الأولى.

فإن قيل: فعلى قول زفر -رحمه الله- إذا قال أنت طالق من واحدة إلى واحدة ينبغي أن لا يقع بشيء لأنّه ليس بين الحدين شيء.

قلنا: قد قال بعض المتأخّرين: ينبغي أن يكون هذا على قياس مذهبه، قال -رحمه الله- والأصحّ أنّه يقع تطليقة واحدة؛ لأن آخر كلامه لغو باعتبار أنّه جعل الشيء الواحد حدًا ومحدودًا، وذلك لا يتصوّر، فإذا لغا آخر كلامه، يبقى قوله: أنت طالق -كذا في «الجامع الصّغير» (٣)، لشمس الأئمة السرخسي -.

وَلَنَا أَنَّ عَمَلَ الضَّرْبِ أَثَرُهُ فِي تَكْثِيرِ الْأَجْزَاءِ، وذلك لأنّ الواحد بالضرب في المثنى لا يزداد في نفسه، ولكن تتكثر أجزاؤه وتتعدّد أبعاضه؛ لأنّه لو كان يزداد في نفسه لم يبق في دار الدّنيا فقير (٤)، لأنّ الفقير الذي بقي إلى هذا الوقت، لابد أنه كان واحد مما يبقيه ممّا يأكل ويشرب ويلبس حتّى بقي، ثم لو وجد درهمًا مثلاً فجعله عشرين ألف جزء، كان له عشرين ألف درهم على تقدير زيادة المضروب في نفسه، وكذلك ما وجده من المأكولات والمشروبات والملبوسات، لو زاد في نفسه عند الضّرب صار عينًا ولم يبق فقيراً، وإذا ثبت أنّه لم يردد في نفسه عند الضّرب، تكثر أجزاؤه عند الضّرب، كأنه أوقع أجزاء طلقة واحدة بصفة التّفرق.


(١) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٦/ ١٣٦)، والعناية شرح الهداية (٤/ ٢١).
(٢) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٦/ ١٣٦)، والعناية شرح الهداية (٤/ ٢١).
(٣) انظر: الجامع الصغير (ص ١٩٥).
(٤) يُنْظَر: العناية شرح الهداية (٤/ ٢٣)، ومجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (١/ ٣٩٠).