للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحينئذ لا يقع إلا واحدة، كما لو قال لها: أنت طالق تطليقة وثلثها وربعها، وكما لو قال لها: أنت طالق نصفي تطليقة على ما ذكرنا إلى هذا أشار في «الفوائد الظهيرية» (١)؛ لِأَنَّ (الطَّلَاقَ لَا يَصْلُحُ) ظَرْفًا؛ لأنّه عرض، والعرض يفتقر إلى المحلّ ليقوم فيه، وهو لا يقوم بنفسه، فكيف يقوم غيره به حتّى يصير محلاً له؟ ونوى الضّرب والحساب فهي ثنتان، وكذلك لو لم ينو شيئاً - كذا في «الجامع الصّغير» (٢) لقاضي خان (٣) -. الاعتبار للمذكور الأوّل، وهو قوله (أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ) على ما بيّناه، وهو قوله: (أَنَّ عَمَلَ الضَّرْبِ) أَثَرُهُ فِي تَكْثِيرِ الْأَجْزَاءِ لَا فِي زِيَادَةِ الْمَضْرُوبِ، وإن نوى واحدة مع ثنتين يقع الثلاث، أي: سواء دخل بها أو لم يدخل فلذلك أطلق ولم يقيد بالدخول، بخلاف ما إذا نوى واحدة وثنتين، فإنّه إذا، (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً مَعَ وَاحِدَةٍ أَوْ مَعَهَا وَاحِدَةٌ تَقَعُ ثِنْتَانِ)، سواء دخل بها أو لم يدخل بخلاف ما إذا قال: أنت طالق واحدة وواحدة، وقال: زفر هي بائنة؛ لأنّه وصف الطّلاق بالطّول.

فإن قيل: على قول زفر، إذا قال الرّجل لامرأته: أنت طالق تطليقة طويلة، يقع الطّلاق رجعيًّا على ما ذكر في المنظومة، وواصف الطلاق حين أوقعه بالطّول أو العرض له المراجعة، فكيف صح تعليله هنا بالوصف بالطّول في إيقاع البينونة؟.

قلنا: يفرق بين ذكر الطّول صريحًا وبين ذكره كناية، ويقول: إذا ذكره صريحًا فقد وصف صريح الطّلاق بما لا يوصف به حقيقة؛ لأنّ الطّلاق عرض وليس له طول، والطّول والعرض من صفات الأعيان، فلما لغا وصفه بالطّول، بقي صريح الطّلاق، وهو يعقب الرجعة بالنصّ.


(١) يُنْظَر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (٣/ ٢٨٢).
(٢) يُنْظَر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٣/ ٢٢٤).
(٣) الحسن بن منصور بن أبي القاسم محمود بن عبد العزيز الفرغاني، المعروف بـ"قاضي خان"، فخر الدين، سَمِع كثيرًا منَ الْإِمَام ظهير الدّين حسن بْن عَلِيّ بْن عَبْد الْعَزِيز، وإبراهيم بْن إِسْمَاعِيل الصفاري. رَوَى عَنْهُ العلامة جمال الدّين محمود بْن أَحْمَد بْن عَبْد السيد، وله "الفتاوي" في أربعة أسفار، وشرح "الجامع الصغير"، وشرح "الزيادات"، توفي سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة. يُنْظَر: تاج التراجم لابن قطلوبغا (ص: ١٥١)، وتاريخ الإسلام (١٢/ ٩٢٢).