للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بخلاف الزّمان فإن الطلاق لا يخصص ولا يعلق به؛ لما أنّ بين الطّلاق والزّمان مناسبة من حيث التجدّد والحدوث، فيمكن أن يقال: تجدّد الطّلاق بحسب تجدّد الزمان الذي تعلّق به الطّلاق.

بخلاف المكان، فإنّه عين قائم بنفسه، ولا يتجدّد كلّ ساعة، ولما لم يكن للطلاق تعلّق بالمكان، كان ذكر المكان وعدم ذكره بمنزلة، فبقي أنت طالق، وهو موجب لوقوع الطّلاق في الحال.

وأمّا الزّمان فهو على ثلاثة أوجه:

أمّا إن كان أوقع الطّلاق في الزّمان الماضي (١) أو الحال (٢) أو الاستقبال (٣)، ففي الماضي والحال وقع في الحال؛ لأنّ الزّمان الماضي مضى عنه حالياً عن الطّلاق، وليس في وسعه شغل ذلك الزّمان بالطّلاق؛ لأنّه انعدم وإنشاء الصَّفة في المعدوم ليس بمقدور للعباد، ولكن لو كان واقعًا فيما مضى كان واقعًا في الحال؛ لأنّ الطّلاق لا يتوقت؛ فلذلك جَعَل كأنّه أوقعه في الحال فظاهر؛ لأنّ الطّلاق صادف محلّه فيقع (٤).

وأمّا إذا أوقعه في المستقبل فيقع؛ لتعلّقه به لما أنّ الطّلاق فعل من الأفعال كلّها تتجدد ساعة فساعة، فكذلك الزّمان؛ فلذلك ناسب التعليق بالزّمان المستقبل، فيوجد الطّلاق عند وجود ذلك الزّمان الذي عينه، فكان كلاهما معدومًا في الحال، وهذا هو معنى التّعليق وذكر في «المبسوط» إذا قال: (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ بِمَكَّةَ أَوْ فِي مَكَّةَ فَهِيَ طَالِقٌ فِي الْحَالِ) (٥)، وكذلك قوله: أنت طالق في ثوب كذا وعليها غيره طلقت؛ لأن وصفه إيّاها بالطّلاق لا يختصثوب دون ثوب، وإن قال: عنيت به إذا لبست ذلك الثوب دين فيما بينه وبين الله؛ لأنّه جعل ذكر الثوب كناية عن فعل اللبس فيه، وهو نوع من المجاز، وكذلك قوله: في الدّار، أو في الظلّ، أو في الشّمس (٦).

وإن قال: في ذهابك إلى مكة (٧)، أو في دخولك الدّار، وفي لبسك ثوب كذا، لم يطلق حتّى يفعل ذلك؛ لأنّ حرف (في) للظرف، والفعل لا يصلح ظرفاً للطّلاق على أن يكون شاغلاً له، فيحمل على معنى الشرط لمناسبة بين الشّرط والظرف؛ لأنّ المظروف لا يوجد بدون الظّرف، وكذلك المشروط لا يوجد بدون الشّرط، والشّرط يكون سابق على المشروط، فكذلك الظّرف يكون سابقاً على المظروف (٨).


(١) الْمَاضِي هُوَ الزَّمَان الَّذِي قبل زمَان تكلمك. انظر: الكليات (ص: ٧٣٦).
(٢) الحالُ: الوَقْتُ الَّذِي أنتَ فِيهِ. يُنْظَر: تاج العروس (٢٨/ ٣٧٤).
(٣) الاستقبال: هو ما يترقب وجوده بعد زمانك الذي أنت فيه. انظر: التعريفات (ص: ٢١٣).
(٤) انظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: ١٩٥)، الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (٣/ ٢٨٨).
(٥) المبسوط للسرخسي (٦/ ١١٦).
(٦) انظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٣/ ٣١٦)، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٢/ ٢٠٣).
(٧) مكّة هي مصر هذا الإقليم قد خطّت حول الكعبة، بيت الله الحرام مَكَّةُ، هِيَ مَكَّةُ الْمُكَرَّمَةُ، وَهِيَ الْحَرَمُ الْآمِنُ، وَأُمُّ الْقُرَى، وَمَهْبِطُ الْوَحْيِ، وَمَبْعَثُ خَيْرِ الْبَشَرِ، ويقال: مكة اسم المدينة، وبكة اسم البيت، وقال آخرون: مكة هي بكة. يُنْظَر: أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم (ص: ٧١)، ومعجم البلدان (٥/ ١٨١)، معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية (ص: ٣٠١).
(٨) المبسوط للسرخسي (٦/ ١١٧).