للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ (وَتَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ) لأنَّ النَّبِيَّ -عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- أَمَرَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ بِذَلِكَ ، وَقِيلَ هُوَ سُنَّةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ -رحِمَهُ الله- جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، لأنَّ السُّنَّةَ إكْمَالُ الْفَرْضِ فِي مَحَلِّهِ وَالدَّاخِلُ لَيْسَ بِمَحَلِّ الْفَرْضِ.

قَالَ (وَتَخْلِيلُ الْأَصَابِعِ) لِقَوْلِهِ -عَلَيْه الصَّلاة والسَّلام-: «خَلِّلُوا أَصَابِعَكُمْ كَيْ لا تَتَخَلَّلُهَا نَارُ جَهَنَّمَ» وَلأنَّهُ إكْمَالُ الْفَرْضِ فِي مَحَلِّهِ. قَالَ (وَتَكْرَارُ الْغَسْلِ إلَى الثَّلاثِ) «-لأنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً وَقَالَ: هَذَا وُضُوءٌ لا يَقْبَلُ اللَّهُ تَعَالَى الصَّلاةَ إلا بِهِ، وَتَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَقَالَ: هَذَا وُضُوءُ مَنْ يُضَاعِفُ اللَّهُ لَهُ الْأَجْرَ مَرَّتَيْنِ، وَتَوَضَّأَ ثَلاثًا ثَلاثًا وَقَالَ: هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي

-قوله: «وتخليل اللحية لأن النبي -عليه السلام- أمره جبريل -عليه السلام- بذلك»، والأمر يقتضي الوجوب، ولكن أمر الوضوء في الآية خاصٌّ ظاهر لا يحتمل الخفاء، فلو قلنا بوجوب تخليل اللحية بهذا الأمر يلزم الزيادة على كتاب الله تعالى بخبر الواحد، وهي تجري مجرى النسخ فلذلك انحطت درجة مقتضى الأمر من الوجوب إلى السنة.

وذكر في «فتاوى قاضي خان»: «ولا يسن تخليل اللحية في قول أبي حنيفة:.

ويستحب أن يمسح ثلث اللحية أو ربعها. وفي بعض الروايات: تمسح كلها، وهو الأصح.

ويغسل الموضع المنكشف بين العذار (١) والأذن في قول محمد، وهو رواية عن أبي حنيفة:.

فإن أمرَّ الماء على شعر الذقن ثم حلقه لا يجب عليه غسل الذقن» (٢). وذكر في «الإيضاح» (٣): وأما تخليل اللحية فليس بمسنون عند أبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله-.

وقال أبو يوسف: هو مسنون.

-قوله: (جائز عند أبي حنيفة ومحمد) أي: لا يُبّدع فاعله كما يُبّدع ماسح الحلقوم.

ثم قوله -عليه السلام-: «خَلِّلُوا أصَابِعَكُمْ» (٤). إنما لم يفد الوجوب مع أنه أمرٌ مقرون بالوعيد على التارك لما أن آية الوضوء خاص ليس بمحتمل للبيان؛ لأنه بيِّن في نفسه، فحينئذٍ تكون الزيادة عليه بطريق النسخ لا بطريق البيان، وخبر الواحد لا يصلح لذلك قال الشيخ: في قوله -عليه السلام-: «خَلِّلُوا أصَابِعَكُمْ». دليل على أن وظيفة الرِجِلْ الغسل دون المسح فكان حجة على الروافض (٥).


(١) الْعِذَارُ: رأس الخَدِّ انظر: طلبة الطلبة ص (٣)، المغرب ص (٣٠٨) مادة [ع ذ ر].
(٢) انظر: فتاوى قاضي خان (١/ ٣٧) فتاوى قاضي خان ومذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان للإمام فخر الدين الحسن بن منصور المعروف بقاضيخان (ت ٥٩٢ هـ)، اعتنى بها: سالم مصطفي البدري طبع، دار الكتب العلمية- بيروت- لبنان- الطبعة الأولى ٢٠٠٩ م.
(٣) كتاب الإيضاح وهو مخطوط.
(٤) رواه عبد الرزاق في مصنفه في باب غسل الرجلين عن الحسن، كان يقول: «خَلِّلُوا أصَابِعَكُمْ بمَاءِ قبْل أنْ يخلِّلُها الله بالنَّار» (١/ ٢٢) انظر: المصنف لعبد الرزاق الصنعاني (ت ٢١١ هـ) تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، الناشر: المكتب الإسلامي -بيروت، الطبعة الثانية ١٤٠٣ هـ ورواه الدارقطني (١/ ١٦٦) في باب وجوب غسل القدمين والعقبين ولفظه عن عائشة -رضي الله عنها- قالت كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ ويخلل بين أصابعه ويدلك عقبيه ويقول: «خَلِّلُوا أصَابِعَكُمْ … » الحديث. ضعف هذا الحديث الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة (٨/ ٤١) وفي ضعيف الجامع الصغير (١/ ٤١٩) في الحديث رقم (٢٨٤٥).
(٥) الرافضة: يمسحون على الرجلين في الوضوء إذا كانتا مكشوفتين، ويستدلون بقراءة الخفض {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ} [المائدة: ٦] وقد رّدَّ عليهم الإمام الطحاوي: في العقيدة الطحاوية وألجمهم الحجة انظر: شرح الطحاوية، ت: أحمد شاكر ص (٣٧٩)، شرح العقيدة الطحاوية لصالح الفوزان (١/ ١٧٣).