للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وانتصاب قوله: خلافًا. جاز أن يكون على المفعول المطلق بإضمار فعله أي: قولنا هذا يخالف خلافًا للشافعي، أو هذا المذكور في معنى يخالف فكان مصدرًا مؤكدًا لمضمون الجملة كقوله: لفلان علي ألف درهم عرفًا، وقوله تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ} (١) [النمل: ٨٨] ..

واستدل الشافعي بما روى أبو أمامة الباهلي: أن النبي -عليه السلام- أخذ لأذنيه ماءً جديدًا.

أو لأن (٢) الأذن مع الرأس كالفم والأنف مع الوجه.

ثم يأخذ للمضمضة والاستنشاق ماء جديدًا سوى ما يقيم به فرض غسل الوجه فهذا مثله.

ولنا: حديث ابن عباس: أن النبي -عليه السلام- مسح برأسه وأذنيه بماءٍ واحدٍ وقال: «الأذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ» (٣). فإما أن يكون المراد منه بيان الخلقة وهو مشاهد لا يحتاج فيه إلى بيانه. أو يكون المراد أنهما ممسوحتان كالرأس، وهذا بعيد؛ لأن اتفاق العضوين في الفرض لا يوجب إضافة أحدهما إلى الآخر فعرفنا أن المراد أنهما ممسوحان بالماء الذي يمسح به الرأس، وتأويل ما رواه أنه لم يبق في كفه بلة فلهذا أخذ ماءً جديدًا.

وأما الجواب عن المعنى: فإن المضمضة والاستنشاق مقدمان على غسل الوجه، فإذا أقامهما بماءٍ واحد يكون المفروض تبعًا للمسنون، وذلك لا يجوز، وها هنا إذا أقامهما بماءٍ واحدٍ يكون المسنون تبعًا للمفروض، وذلك مستقيم.

فإن قيل: لم لا يُجعل الحديث بيانًا على أن وظيفتها المسح لا الغسل من غير إثبات التبعية فكان الحديث بيانًا أنهما من الممسوح؟

قلنا: لا يلزم من كون وظيفة الشيء المسح كونه من الرأس كالخف.

فإن قيل: السنة إكمال الفرض في محله، والأذنان ليستا بمحل مسح الرأس ولهذا لا يسقط فرض مسح الرأس بمسحهما.

قلنا: قضية هذا الحديث توجب أن يسقط، ولكن لم (٤) يسقط لاعتراض معنى آخر وهو استلزام نسخ الكتاب بخبر الواحد ولا يشترط لإقامة السنة محل الفرض (٥) كما في المضمضة والاستنشاق.


(١) استدل: بهذه الآية على أن المصدر مؤكدًا لمضمون الجملة فقوله تعالى مصدر، وتقديره مرًا مثل مر السحاب فأقام الصفة مقام الموصوف، إعراب القرآن للنحاس (٣/ ٢٢٣).
(٢) في (ب): «ولأن».
(٣) حديث أبي أمامة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «الأذنان من الرأس» رواه أبو داود (١/ ٣٣) وقال عنه الألباني: ضعيف في السلسلة الضعيفة (٢/ ٤٢٤) ورواه الترمذي (١/ ٥٣) ورواه ابن ماجة من حديث عبد الله بن زيد -رضي الله عنه-.
(٤) في (ب): «لا».
(٥) في (ب): «المفروض».