للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولكن يستعمل للشّرط مجازاً، ولا يسقط به معنى الوقت إذاأردت به الشّرط بمنزلة متى، وهو مذهب أبي يوسف ومحمّد (١) -رحمه الله- كذا في «المبسوط» (٢).

وَاسْتَغْنِ مَا أَغْنَاك رَبُّك بِالْغِنَى … وَإِذَا تُصِبْك خَصَاصَةٌ فَتَجَمَّلْ

أبني إن أباك حارب يومه … وإذا دعيت إلى المكارم فاعجل

أوصيك أيضاً آمراً لك ناصح … ظني برب الدّهر غير معقل

استغن بما أغناك ربك بالغنى، وإذا تصيبك خصاصة بتحمل (٣).

كون الشّيء إذا دنى غير معقل، من عقلت الإبل من العقال، شدد للكثرة والمبالغة التحمل التصبر، وقيل هو الاكتفاء بالجمل وهو الشحم المذاب، يوصي الأب ابنه يتصالح، بقول: أن أباك قريب يوم موته، فاعمل بنصيحتي فإن عقل مصروف الدّهر عالم بها غير ممنوع عن العلم بها، فمن نصائحي هو أن تتعفف عن المسألة، ورفع الحاجة إلى الغير مادام إعتاق الله باقياً بك.

وأمّا إذا أصابك فقر تكلف بالصّبر على الفعل الجميل، أو أكل الجهل وهو الشحم المذاب تعففاً، فإن أريد الشّرط لم يطلق، وإن أريد به الوقت يطلق في الحال، فلا يطلق بالشّك.

فإن قيل: بالنّظر إلى هذه النكتة ينبغي أن يقال بوقوع الطّلاق؛ لأنّه لما تعارض معنى الشّرط مع معنى الوقت يرجح دليل الحرمة، وهو دليل الوقوع فيقع الطّلاق حينئذٍ.

قلنا: هذا متروك] بجميع (٤) صور التردد، وإن كان تغليب جانب الحرمة موجودًا فإنّه إذا شكّ في انتقاضطهارته، وقد كان طاهراً قبله يقينًا فإنّه لم يقل فيه بالانتقاص، مع أن في الانتقاض تغليب جانب الحرمة، والصلاة يراعى فيها جانب الاحتياط؛ لما أنّ الشك لا يزيل اليقين، فههنا كذلك، ولا يلزم على هذا قوله: أنت طالق حين لم أطلقك، أنّه يقع للحال، وإن اختلف استعمال هذه الكلمة في المدّة بين مديد وقصير؛ لأنّه متى ذكر بكلمة لما كان ذلك مضافاً إلى الماضي، فجعل ذلك إيقاعاً للحال، ولو قال: حين لا أطلقك لم يقع، إلا لمضي ستة أشهر؛ لأنه لا يدخل في المستقبل، يقال لا أفعل كذا والحين يذكر ويراد به الأبد، ويذكر ويرد به الساعة، ويذكر ويراد به ستة أشهر، والأبد والسّاعة غير مراد عرفاً، فتعين الوسط كذا ذكره الإمامالكشاني وقاضي خان (٥)، معناه قال ذلك موصولاً، وأمّا إذا قال مفصولاً، فيقعان قياساً واستحسانًا (٦)؛ لأنّه وجد الزّمان الحالي عن التّطليق.


(١) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٦/ ١١٢)، البناية شرح الهداية (٥/ ٣٢٧).
(٢) المبسوط للسرخسي (٦/ ١١٢).
(٣) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٦/ ١١٢)، وبدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٣/ ١٣١)، البناية شرح الهداية (٥/ ٣٢٨).
(٤) سقط من (ب).
(٥) ينظر: العناية شرح الهداية (٤/ ٣٥).
(٦) الِاسْتِحْسَانُ هُوَ الْعُدُولُ فِي مَسْأَلَةٍ عَنْ مِثْلِ مَا حُكِمَ بِهِ فِي نَظَائِرِهَا إِلَى خِلَافِهِ لِوَجْهٍ هُوَ أَقْوَى. انظر: الإحكام في أصول الأحكام للآمدي (٤/ ١٥٨).