للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قلت: ما وجه التّخلص عمن يعكس المسألة؟ فيقول: كما أنّ الزوج علق طلاق الثنتين بمجيء الغد، فكذلك المولى علق الإعتاق بمجيء الغد، فكما قرن التطليق بالإعتاق فكذلك قرن الإعتاق بالتّطليق، ولما قرن الطلاق الذي هو حكم التّطليق بالعتق، الذي هو حكم الإعتاق، كذلك قرن العتق بالطّلاق - أيضاً - فكان العتق واقعًا عليها بعد] ذكر (١) التطليق] كما ذكرت (٢) أنت وقوع الطّلاق بعد الإعتاق، فكان طلاق الثنتين مصادفاً إياها وهي أمة فتحرم حرمة غليظة.

قلت: وجهه هو العمل بالاحتياط والعمل بالأصل؛ وذلك لأنّا لو قلنا: يتأخّر العتق عن التّطليق يلزمه الحرمة الغليظة، ولو قلنا يتأخّر الطّلاق عن الإعتاق على الوجه الذي قلنا من مقارنة التطليق للعتق لا يلزم ولم يكن لازمه، قيل: هذا فلا يثبت الشّك.

فإن قلت: يلزم من هذا إثبات أمر آخر بالشّك وهو ولاية الرجعة.

قلت: الرجعة عبارة عن استدامة النكاح، فكان له قبل هذا ولاية استدامة النكاح، فيبقى ما كان على ما كان، وهو العمل بموجب الشك، فإنّ الشّك إذا ثبت في موضع ولم يكن ترجيح أحد الجانبين على الآخر، فيعمل بما كان على ما كان، ولقول محمّد -رحمه الله- وجهان آخران صحيحان - ذكرهما في «الفوائد الظهيرية» (٣) - أحدهما: أنّ قوله: أنت حرّة أو جزء من قوله: أنت طالق ثنتين، وهما أي: التّطليق والإعتاق بهذين اللّفظين يوجدان في زمان واحد فينعدم أوجزهما في الوجود، [٣٣٢/ أ] وهو قوله: أنت حرة فصادفها التّطليقتان وهي حرّة، فيملك الرجعة عليها.

والثّاني: أنّ التطليق مع الإعتاق وإن تقارنا في الوجود، لكن يتأخر حكم التّطليق عن حكم الإعتاق في الوجود، لكون الطّلاق مختصاً ببطء الثبوت؛ لأنّ ثبوته مع المنافي، لأنّ الأصل في الطّلاق الحظر والعتاق مختصّ بسرعة الثبوت؛ لأنّ ثبوته على وفاق الدّليل، لأنّ الإعتاق مندوب إليه شرعًا، بل هو واجب في مواضع الكفّارات، فكان أسرع ثبوتًا فيلزمه تقدمه على الطّلاق، وحينئذٍ يصادفها الطّلاق وهي حرّة وهذا معنى مؤثر.

ألا ترى أنّ الملك في البيع الفاسد تأخر إلى زمان القبضبخلاف البيع الصّحيح؛ لأنّ ثبوت حكم البيع الصّحيح على وفاق الدّليل، وثبوت حكم البيع الفاسد على خلافه، وأمّا وجه قولهما فظاهر، وهو أنّ الطّلاق والعتاق تعلقا بشرط واحد، وهو مجيء الغد، فيقعان معًا فكما أنّ العتق صادفها وهي أمّه (٤)، فكذلك الطّلاق صادفها وهي أمة، والأمة تحرم حرمة غليظة بتطليقتين (٥).


(١) سقط من (ب).
(٢) زيادة في (ب).
(٣) البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (٣/ ٣١٥).
(٤) يُنْظَر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٣/ ١٣٣).
(٥) يُنْظَر: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (١/ ٣٩٧)، والمحيط البرهاني في الفقه النعماني (٣/ ٣٢٠).