للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال تعالى: {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ} (١)؛ أي: بعده وهذا الحدّ الذي ذكره للشّرط موجود ههنا، وهو محكم [٣٣١/ ب] للشرط لا يحتمل غيره، فحمل المحتمل على المحكم، فلما كان هو بمعنى الشّرط للوجه الذي قلنا، والمشروط يجد بعد وجود الشّرط، وههنا الشّرط هو العتق والطّلاق هو المشروط؛ لأنّ وجود الطّلاق متعلّق بوجود العتق، كان طلاق الثنتين مصادفاً إياها وهي حرّة، فيملك الرجعة لذلك.

فإن قيل: يجب على هذا أن يصحّ قوله: أنت طالق مع نكاحك، بمعنى إن أنكحتك فأنت طالق، ولم يصحّ ذلك.

قلنا: العدول عن حقيقة معنى القران في مع فيما نحن بصدده باعتبار أنّه مالك لإنشاء الطّلاق تنجيزًا أو تعليقاً، وكان ذلك من ضرورة تصحيح كلام من هو مالك للتصرّف في ذلك مع تحمل تغيرات من تقديم الكلمات بعضها على بعض وتأخيرها، والعدول عن معنى القران الذي هو حقيقة لكلمة مع، فلم يلزم من العدول ههنا العدول هناك؛ لأنّه غير مالك لإنشاء الطّلاق تنجيزًا وتعليقاً إلا في صورة صريح الشّرط مع منافاة الدّليل، وهو قوله: (إن تزوجتك فأنت طالق)، فلمّا لم يلزم العدول عن معنى القران يقينًا على حقيقته، والطّلاق مع النكاح يتنافيان؛ إذ الطّلاق رفع القيد والنكاح إثباته، فيلغوا كلامه ضرورة: وقال محمّد -رحمه الله-: يملك الرجعة وكان كلتا المسألتين أعني قوله: أنت طالق مع عتق مولاك.

وفي قوله: ولو قال: إذا جاء غد فأنت طالق ثنتين، وعلق المولى به العتاق - أيضاً - عنده سواء في أنّه يملك الزّوج الرجعة، فوجه ذلك هو أن الزّوج قرن إيقاع الطّلاق بإعتاق المولى معنى؛ أي: على وجه التّعليق لما أنّه علّق الطّلاق بالشّرط الذي علّق به المولى العتق، وهو مجيء الغد، والعتق يقارن الإعتاق؛ لأنّ الإعتاق علّة العتق، والعلة مع المطول يقترنان، كما في الاستطاعة مع الفعل عندنا - خلافاً للمعتزلة - فكان التّطليق مقارنًا للعتق ضرورة، لما أنّ المقارن لمقارن الشيء مقارن لنفس ذلك الشّيء، فإنّه لما قرن التطليق من الإعتاق، كان التطليق مقارنًا؛ لأنّ العتق يقارن الإعتاق، ثمّ العتق حكم الإعتاق، فتتعقب الإعتاق، على ما هو اختيار بعض المشايخ، والحال أن التطليق مقارن للعتق، فكان وقوع الطّلاق عقيب الإعتاق ضرورة، فصار كالمسألة الأولى معنى، ولا يتضح كلام محمّد -رحمه الله- ههنا إلا أن يوصف حكم العلّة بالتأخّر عن العلّة، كما هو قول بعض المشايخ كما وصفه شمس الأئمة السرخسي -رحمه الله- في مسألة: أنت طالق مع موتي (٢)، وقد ذكرناه عن قريب، ثم العتق ههنا حكم الإعتاق، فلما وصف العتق بالتأخّر عن الإعتاق والتّطليق مقترن بالعتق، فكان التّطليق بعد الإطلاق، فيصادفها الطّلاق وهي حرة فيملك الرجعة.


(١) [النمل: ٤٤].
(٢) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٦/ ١١١)، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٢/ ٢٠٩).