للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: هذا مسلم فيما إذا ملك الزّوج جميع منكوحته لملك اليمين.

وَإِذَا مَلَكَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أَوْ شِقْصًا (١) منها فلا يثبت الحلّ بملك الشّقص، فينبغي أن لا ينتفي الحلّ الثّابت بينهما نكاحاً؛ لأنّه لا يطرأ عليه لأجل قوي ولا ضعيف (٢).

قلنا: ملك اليمين دليل الحلّ، فقام دليل الحلّ مقام الحل تيسيراً، فعلى هذا ينبغي أن يبطل نكاح المكاتب - أيضاً - إذا اشترى منكوحته؛ لورود دليل الحل القوي على الضّعيف ومع ذلك لا يبطل، - ذكر في «المبسوط» -؛ لأنّ الثّابت له في كسبه حقّ الملك وحقّ الملك لا يمنع بقاء النكاح، ولأن ملك اليمين لا يثبت المكاتب، إنّما يثبت له ملك التصرف؛ لأنّ قيام الرق تمنعه عن ذلك، فالمكاتب عبد ما بقي عليه درهم، فلم يبطل نكاحه لذلك (٣)، لَا عِدَّةَ هُنَاكَ أي: في حق مولاها الذي كان زوجها؛ أي: لا يظهر أثر عدتها في حقّه بدليل حلّ وطئها.

وأمّا العدّة فواجبة في نفسها حتّى أنّه لو أعتقها ليس لها أن يتزوّج تأخر قبل انقضاء عدّتها كذا ذكره الإمام المحبوبي -رحمه الله-، وَلَوْ قَالَ لَهَا وَهِيَ أَمَةٌ لِغَيْرِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ مَعَ عِتْقِ مَوْلَاك إيَّاكَ، أراد به الإعتاق واستعار الحكم عن علته.

ألا ترى إلى قوله: إياك ولا تستعمل ذلك، إلا فيما يتعدى من الفعل - كذا ذكره فخر الإسلام في «الجامع الصّغير» (٤) -؛ لأنّ اللّفظ بينهما؛ أي: لفظ العتق يحتمل الإعتاق والعتق على طريق البدلية، فللإعتاق على طريق الاستعارة لما أن العتق لا يتصوّر بدون الإعتاق، فكأنه ذكر الحكم، وأراد علته وللعتق على طريق الحقيقة؛ لأنّه هو الملفوظ، فكان معنى الانتظام ههنا، احتمال التناول على طريق البدليّة، لما عرف أنّ اللّفظ الواحد لا ينتظم الحقيقة والمجاز معًا.

قوله -رحمه الله-: (وَالْمَذْكُورُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ)، أي: العتق معدوم على خطر الوجود أي متردّد الوجود، والحكم وهو الطّلاق تعلق بذلك المذكور - وهو العتق - فكان العتق شرطًا، ووقوع الطّلاق مشروطًا، فلما كان كذلك مكان وقوع الطّلاق بعد وقوع العتق، لما أنّ المشروط يتعقب الشّرط، فصار كأنّه قال: إن أعتقك مولاك فأنت طالق اثْنَتَيْنِ، وإنّما حمل مع ههنا للشّرط لما أنّه ليس بمحكم للقران، بل يجيء لمعنى التعدية والتعقيب، كما في قوله تعالى: {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ … يُسْرًا} (٥)؛ أي: بعد العسر لأنّهما متضادان فلا يجتمعان (٦).


(١) الشقص: القطعة من الارض، والطائفة من الشيء. انظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (٣/ ١٠٤٣).
(٢) يُنْظَر: العناية شرح الهداية (٤/ ٤٢).
(٣) المبسوط للسرخسي (٦/ ٥٦).
(٤) البناية شرح الهداية (٥/ ٣٣٧).
(٥) [الشرح: ٦].
(٦) ينظر: التفسير الوسيط للواحدي (٤/ ٥١٧).