للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولنا: أنه لا يقع قربةً إلا بالنية، هذا قول بموجب العلة حيث التزم ما ألزمه الشافعي يعني أن الوضوء بدون النية لا يقع قربة، وهذا مسلم، إلا أن الكلام فيما وراءه وهو أن استعمال الماء في أعضاء الوضوء هل يوجب الطهارة بدون النية أم لا؟ فقلنا بأنه يوجب ذلك لأن أعضاء الوضوء محكومة بالنجاسة في حق الصلاة حيث أمرنا بالتطهير لحقها، وهو لا يتحقق بدون النجاسة؛ إذ تطهير الطاهر محال، والماء طهور بطبعه فإذا لاقى النجس طهره قصد المستعمل الطهارة [أو لا، كالماء للإرواء، والطعام للإشباع؛ لأن استعمال آلة التطهير في محل قابل للتطهير يفيد الطهارة] (١) لا محالة.

فإذا ثبتت الطهارة في أعضاء الوضوء بهذا الطريق كان مفتاحًا للصلاة وإن لم ينو؛ لأنه شرط للصلاة كسائر الشروط، والشروط يراعى وجودها لا وجودها قصدًا ولكن بعد ما وجد له ذلك، بخلاف التيمم؛ لأن التراب لم يعقل مطهرًا فلا يكون مزيلاً للحدث أصلاً، فلم يبق فيه إلا معنى التعبد، وذلك لا يحصل بدون النية.

«فإن قيل: في الوضوء مسح، والمسح غير مطهر بنفسه وضعًا.

قلنا: الماء مطهرٌ بنفسه لا بفعلنا، إلا أنه إذا قل حتى لم يكن شيئًا لا ضعف عن التطهير للنجاسة الحقيقية؛ لأن تطهيرها في إزالة عينها، وفيما نحن فيه النجاسة ضعيفة؛ لأنه حكم دون العين فاستغنى عن الإزالة لإفادة الطهر فصار البلل كالسائل الذي يقدر على الإزالة في إفادة الطهر»، كذا في «الأسرار» (٢).

والأوجه فيه أن يقال: [إن] (٣) آية الوضوء ظاهرة المعنى في وجوب الغسل والمسح، وليس فيها ما يدل على النية فكان اشتراط النية زيادة على النص، وذلك لا يجوز بالقياس وخبر الواحد، بخلاف التيمم فإنه عبارة عن القصد لغةً؛ قال الله تعالى: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ} [البقرة: ٢٦٧] أي: ولا تقصدوا، وإن كان اشتراط النية فيه ثابتًا بالعبارة.

فإن قلت: لا نسلم بأنه ليس في الآية ما يدل على النية، بل فيها دليل على اشتراط النية، وذلك لأن وجوب حكم الغسل خرج مخرج الجزاء للشرط فيتقيد به، فحينئذٍ يكون تقديره: فاغسلوا هذه الأعضاء للقيام إلى الصلاة، ولا نعني بالنية سوى أنه غسل هذه الأعضاء للقيام إلى الصلاة فكان هذا نظير قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: ٩٢]، فيشترط التحرير بنية هذه الكفارة وإلا فلا يجوز لتعلق الجزاء بالشرط، فكذا هنا (٤).


(١) ما بين معقوفين ساقط من (ب).
(٢) الأسرار ص (١٣٧).
(٣) ساقطة من (ب).
(٤) في (أ): «هذا» والتصويب من (ب).