للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهناك لما لم يقع الطّلاق بذكر الوصف نفسه بل بالعدد وصادفها العدد، وهي] منكوحة حية (١) وقع الثلاث، لكون الواقع هو العدد فكان الاعتبار في الصّورتين للعدد لا للوصف، ولو قال: أنت طالق واحدة قبل واحدة أو بعدها واحدة، وقعت واحدة وجنس هذه المسائل ينبني على أصله - كذا في «المبسوط» (٢) -، والأصلان مذكوران في الكتاب.

أحدهما: قوله: وَالْأَصْلُ؛ لأنّه متى ذكر شيئين، والآخر قوله: وَإِيقَاعُ الطَّلَاقِ فِي الْمَاضِي إيقَاعٌ فِي الْحَالِ، ثم لما ثبت [٣٣٤/ أ] أنّه متى أدخل الطرف بين شيئين ولم يقربها بها الكتابة كان صفة للمذكور أولاً، فكانت صفة القبلية في قوله: (أنت طالق واحدة قبل واحدة) صفة للواحدة الأولى، فسبقت الواحدة الأولى بالوقوع قبل الثّانية فبانت لا إلى عدّة؛ لأنّها غير مدخولة فلم تقع الثّانية، فكان معنى قوله: (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً قَبْلَ وَاحِدَةٍ)، أي: قبل واحدة يقع عليك فتبين بالأولى.

وكذلك قوله: (أَوْ بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ)، أي: بعدها واحدة أخرى يقع عليك فبانت بالأولى قبل أن يقع الأخرى، (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ تَقَعُ ثِنْتَانِ)؛ لأنّ القبلية صفة الثّانية لاتصالها بحرف الكناية، فصار كأنّه قال قبلها أخرى وقعت عليك، وهذا منه إسناد للثانية إلى وقت ماضٍ، فيكون موقعًا لها في الجامع الأولى فكان وقوع الواحدة بالإنشاء بالإقرار فيقع ثنتان، وإذا قال: أنت طالق واحدة بعد واحدة يقع ثنتان؛ لأن التعدية صفة للأولى فيكون معناه أنت طالق واحدة بعد واحدة أخرى قد وقعت عليك، فاقتضى إيقاع الواحد في الحال وإيقاع الأخرى قبل هذه فكان وقوع الواحدة بالإنشاء، والأخرى بالإقرار فيكون ثنتين.

وفي المدخول بها تقع ثنتان في الوجوه كلها، وهذا الجواب مشكل في قوله: (أنت طالق واحدة قبل واحدة)؛ لأنّ كون الشيء قبل غيره لا يقتضي وجود ذلك الغير - على ما ذكره محمّد -رحمه الله- في الزيادات (٣) (٤) - ألا ترى قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} (٥) إلى قوله: {لَنَفِدَ الْبَحْرُ … قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ … رَبِّي} (٦).


(١) زيادة في (ب).
(٢) المبسوط للسرخسي (٦/ ١٣٣).
(٣) الزياداتفي فروع الحنفية. للإمام: محمد بن الحسن الشيباني. ينظر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (٢/ ٩٦٢).
(٤) يُنْظَر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (٣/ ٣١٧).
(٥) [المجادلة: ٣].
(٦) [الكهف: ١٠٩].