للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال النبي -عليه السلام-: «خلّلوا أصابعكم قبل أن تتخللها نار جهنم» (١)، وجوابه مذكور في أصول الجامع - كذا في «الفوائد الظهيرية» (٢) -.

لهما أن حرف الواو للجمع المطلق دون الترتيب، بدليل تعلّق الكلّ بالشّرط من غير وقوع في الحال، فلو كان للترتيب في مثل هذه لما تعلّق الكلّ كما في كلمة (ثم) عند أبي حنيفة -رحمه الله- (٣)، ولِما عرف من أصلنا في آية الوضوء، ولأنّ قوله: واحدة جملة ناقصة معطوفة على الجملة التّامة، والمذكور في الجملة التّامة يصير معاداً في الجملة النّاقصة، كما في قوله تعالى: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} (٤) معناه فعدّتهن ثلاثة أشهر (٥) فههنا يصير كأنّه قال ثانياً وأنت طالق واحدة إن دخلت الدّار ولو صرّح بهذا ثم دخلت الدّار طلقت ثنتين فكذا هنا كذا في «المبسوط». (٦)

قوله -رحمه الله-: كما إذا نجز بهذه اللفظة، بأن قال لها: (أنت طالق واحدة وواحدة)، فإنّه يقع واحدة بالاتفاق (٧) - على ما مرّ - والمعلّق بالشّرط كالملفوظ به عند وجود الشّرط، فلذلك اعتبر بالمنجز.

فإن قلت: لا نسلّم صحّة اعتبار المعلّق بالمنجز مطلقاً في حقّ تفريق الطّلقات، فإن تفريق الوقوع في التنجيز لا يدلّ على تفريق الوقوع في التّعليق.

ألا ترى أن من قال لامرأته التي لم يدخل بها: إن دخلت الدّار فأنت طالق واحدة لا بل ثنتين، فدخلت الدّار يطلق ثلاثاً، ولو نجز بهذا اللفظ قبل الدّخول بها لم تقع إلا واحدة لما أنّ المنجز طلاق فتبين بالأولى، والمعلّق بالشرط ليس بطلاق، بل يجتمع جملة ثم عند الوقوع يقعن جملة، فعلم بهذا أنّ اعتبار المعلّق المنجز غير صحيح.

قلت: بل يصحّ اعتباره بالمنجز؛ لأنّ الواو في اللغة لعطف مطلقاً، من غير أن يقتضي جمعًا ولا ترتيباً، كما في قوله: جاء زيد وعمرو، لا يقتضي جمعًا ولا ترتيباً، وهذا الأصل لا يختلف بين التّنجيز والتّعليق.


(١) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (كتاب الطهارات/ فِي تَخْلِيلِ الْأَصَابِعِ فِي الْوُضُوءِ/ ٩٥)، وأخرجه عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه (كتاب الطهارة/ بَابُ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ/ ٦٧)، وَإِسْنَاده واه جداً. انظر: الدراية في تخريج أحاديث الهداية (١/ ٢٤).
(٢) يُنْظَر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (١/ ٢٣).
(٣) ينظر: المبسوط للسرخسي (٦/ ١٢٩).
(٤) [الطلاق: ٤].
(٥) أي: هن بمنزلة الكبيرة التي قد يئست عدتها ثلاثة أشهر. ينظر: التفسير البسيط (٢١/ ٥١٠).
(٦) المبسوط للسرخسي (٦/ ١٢٧).
(٧) يُنْظَر: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (١/ ٤٠١)، العناية شرح الهداية (٤/ ٥٨).