للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذا قوله: استبرئ وتخمري؛ لأنّهما من الستر والخمار، وما يصلح جواباً لا ردًا، ثمانية ألفاظ: خَلِيَّةٌ بَرِيَّةٌ بَائِنٌ بَتَّةٌ حَرَامٌ اعْتَدِّي أمرك] بيدك (١) اختاري.

ولكن الخمسة الأوّل يصلح للجواب، ويصلح للسّبب، والثلاثة الأخر وهي: اعتدي اختاري أمرك بيدك، لا يصلح للسّبب، ولكن في عدم الصّلاحية للردّ يشترك الثمانية؛ لأنّ الظّاهر أن مراده الطلاق عند سؤالي الطّلاق، والقاضي مأمور بإيقاع الظّاهر؛ لأنّ كلامه جواب لسؤالها الطّلاق، وما تقدم من السّؤال يصير معادًا في الجواب.

ألا ترى أنّ الرجل إذا قال لغيره: لي عليك ألف درهم، فقال: نعم كان إقرار بالمال، وإذا قال: أعتقت عبدك، فقال: نعم، كان إقرار بالعتق، واللفظ واحد، فيصير كأنَّ الزّوج قيد كلامه بما سألت، وهو الطّلاق.

قوله -رحمه الله-: وَمَا يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى، مثل اغربي واستتري، وَفِي حَالَةِ الْغَضَبِ يُصَدَّقُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ الرَّدِّ وَالسَّبِّ، احتمال الردّ في السّبعة المذكورة، مثل: اخرجي اذهبي، واحتمال السب في الخمسة المذكورة، التي في أوائل الثّمانية، وهي: خلية بَرِيَّةٌ بَائِنٌ بَتَّةٌحرام، ثم وجه احتمال هذه الخمسة معنى السب، فإن قوله: أنت خلية نسبة إلى الشّر، أي: خلية من الخير، ومن جنس الخلق أو أفعال المسلمين بريه، أي: لا أصل لك باين من الخيرات، حرام الصحبة والعشرة لسوء خلقك، إلا فيما يصلح للطّلاق، ولا يصلح للردّ والشتم، وذلك ثلاثة ألفاظ: اعتدي اختاري أمرك بيدك، وهذا الاستثناء من قوله، وَفِي حَالَةِ الْغَضَبِ يُصَدَّقُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، إلا في هذه الثّلاثة، ثم الفرق في حقّ هذه الثّلاثة بين حالة الرضاء وبين حالة الغضب في حكم اللفظ ظاهراً، ألا ترى أن من يقول لغيره - في حالة الرضاء -: لست لأبيك لا يكون قاذفاً له، ولو قال في حالة الغضب، كان قاذفاً له ملتزمًا الحد، وعن أبي يوسف -رحمه الله- (٢) قوله: أنّه يصدق في حالة الغصب، وألحق أبو يوسف الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ الْمُحْتَمِلَةِ لِلسَّبِّ، مِنْ حَيْثُ احْتِمَالُهَا السَّبَّ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك، يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّك أَقَلُّ مِنْ أَنْ تُنْسَبِي إلَى مِلْكِي أَوْ أُنْسَبَ إلَيْك بِالْمِلْكِ، وَلَا سَبِيلَ لِيعَلَيْك لِسُوءِ خُلُقِك، واجتماع أنواع الشر فيك، وخليت سبيلك، كراهية مني لصحبتك، ولا التفت إليك بعد هذا لسّوء خلقك فارقتك، أي: في المسكن لسوء خلقك، والحقي بأهلك، بمعنى فارقتك، ولمّا كان في هذه الألفاظ احتمال معنى السّب لسوء الخلق، وحالة الغضب يدل على ذلك، كان مديناً في القضاء إذا لم أرد الطّلاق - كذا في «الجامع الصّغير» (٣) لشمس الأئمة السّرخسي -رحمه الله- والمحيط و «الفوائد» (٤)


(١) زيادة في (ب).
(٢) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٨١)، وبدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٣/ ١٠٧)، والمحيط البرهاني في الفقه النعماني (٣/ ٢٣٢).
(٣) يُنْظَر: المراجع السابقة.
(٤) انظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٣/ ٢٣٢).