للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله: (١) والمالك هو الذي يتصرف عن مشيئته واختيار له، وأمّا غير المالك فيطلب منه التّصرف حتمًا، فإذا ذكر المشيئة على وجه الشّرط فيما يحتمل التّعليق يصح ذكر المشيئة، ويصير لازمًا بخلاف التّوكيل بالبيع؛ لأنّه ذكر المشيئة على وجه الشّرط والبيع لا يحتمل التّعليق بالشّرط، فلا يصحّ ذكر المشيئة، وبدون المشيئة لا يصير لازمًا، كذا ذكره الإمام قاضي خان.

فإن قيل: هذا توكيل للبيع لا البيع نفسه والتّوكيل به قابل للتّعليق.

قلنا: اعتبر التوكيل بالبيع بأصل البيع، ثم قوله: والمالك هو الذي يتصرف عن مشيئته.

فإن قيل: لو قال لأجنبي: طلّق امرأتي، كان الوكيل منصرفاً أيضاً عن مشيئة واختيار، فلمَ لا يكون تمليكًا على التّفسير الذي قال؟ قلنا: إنّما نشأذلك الاختيار والمشيئة من عدم نفاذ إلزام الأمر عليه، لعدم الولاية لا من الصيغة، فإنّ الصيغة ملزمة إذا صدرت من ذي ولاية، ولمّا قال للأجنبي: إن شئت، ثبتت فالمشيئة جاءت من الصيغة صريحًا، وأثبتت خاصية المالكية مكان هذا الكلام للتّمليك لا للإلزام.

ألا ترى أنّ الله تعالى لو قال: اعملوا كذا إن شئتم، لم يكن إلزاماً، فكان تمليكًا بخلاف المشيئة الثّابتة للوكيل في ضمن عدم نفاذ ولاية إلزام الأمر، وكلامنا في المالكية المستفادة من الصيغ، وذكر في «المبسوط»، وإذا قال لغيره: طلّق امرأتي، فهو رسول معناه أنّ الوكيل في الطّلاق والرسول (٢) سواء؛ لأنّه سفير، ومعبّر والرسالة (٣) لا يختصّ بالمجلس، فكان له أن يطلّقها بعد المجلس (٤)، (وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: طَلِّقْهَا إنْ شِئْت)، كان ذلك على المجلس عندنا حتّى لا يملك الإيقاع بعد قيامه عن المجلس، لأنّا نقول بآخر كلامه، فتبيّن أنّ مراده تمليك أمرها منها لا الرسالة، وجواب التّمليك مقتصر على المجلس، كما لو خاطبها به، وحاصل هذا أنّ في حقّها لا يتحقّق الرسالة، فإنها لا تكون رسولاً إلى نفسها، فيكون تمليكًا، سواء قال لها: طلّقي نفسك بدون ذكر المشيئة، أو قال: إن شئت، وفي حق الأجنبي يتحقّق الرسالة والتّمليك جميعًا، فإذا قال: طلّق، كان رسالة، وإذا قال: إن شئت، كان تمليكًا لأمرها منه، وعلى هذا يقول إذا قال: له (طلّقها)، له أن يعزله قبل الإيقاع، (وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: طَلِّقْهَا إنْ شِئْت)، لم يكن له أن يعزله، كما لو ملك الأمر منها، ومالا يقع واحدة؛ لأنّها أتت بما ملكته، وزيادة بجرزيادة، وهذا لأنّ الواحديّة موجودة في الثلاث، فصار هو كما قالت: طلّقت نفسي واحدة وواحدة وواحدة.


(١) زيادة في (ب).
(٢) الرَّسُولَ الذي يَنْقُلُ كَلَامَ الْمُرْسِلِ. يُنْظَر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٣/ ١٢٦).
(٣) الرِّسَالَةُ هِيَ أَنْ يَبْعَثَ الزَّوْجُ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ الْغَائِبَةِ عَلَى يَدِ إنْسَانٍ فَيَذْهَبُ الرَّسُولُ إلَيْهَا وَيُبَلِّغُهَا الرِّسَالَةَ عَلَى وَجْهِهَا. انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٣/ ١٢٦).
(٤) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٢٠٣).