للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(كُلُّ مَا يَخْرُجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} «وَقِيلَ لِرَسُولِ اللَّهَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا الْحَدَثُ؟ قَالَ: مَا يَخْرُجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ» وَكَلِمَةُ مَا عَامَّةٌ فَتَتَنَاوَلُ الْمُعْتَادَ وَغَيْرَهُ (وَالدَّمُ وَالْقَيْحُ إذَا خَرَجَا مِنْ الْبَدَنِ فَتَجَاوَزَا إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ، وَالْقَيْءُ مِلْءَ الْفَمِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ -رحِمَهُ الله-: الْخَارِجُ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ لا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ -عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- قَاءَ فَلَمْ يَتَوَضَّأْ» وَلأنَّ غَسْلَ غَيْرِ مَوْضِعِ الإصَابَةِ أَمْرٌ تَعَبُّدِيٌّ فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ وَهُوَ الْمَخْرَجُ الْمُعْتَادُ، وَلَنَا قَوْلُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «الْوُضُوءُ مِنْ كُلِّ دَمٍ سَائِلٍ» وَقَوْلُهُ -عَلَيْه الصَّلاة والسَّلام-: «مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ فِي صَلاتِهِ فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَتَوَضَّأْ وَلِيَبْنِ عَلَى صَلاتِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ»

-قوله: (كل ما يخرج من السبيلين) أي: خروج كل ما يخرج منهما ليكون الخبر موافقًا للمبتدأ؛ لأن المبتدأ لفظ المعاني فوجب أن يكون خبره أيضًا المعاني، وهي الخروج.

ولأن المراد من المعاني العلل، والعلة وصفٌ يحل بالمحل فيتغير به حال المحل، ثم ذكر في المدخل (١) ما هو المخصوص من هذا العموم فقال: كل ما يخرج من السبيلين سوى الريح الخارج من القبل والذكر، وهو صحيح؛ لأن الوضوء منهما غير واجب إلا في رواية عن محمد ذكرها الإمام التمرتاشي (٢) في «الجامع الصغير» (٣).

-قوله: (يتناول المعتاد وغيره) فيه نفي لقول مالك؛ «فإن غير المعتاد كدم الاستحاضة لا ينقض الطهارة» عنده، كذا في «المبسوط» (٤).

-قوله: (إذا خرجا من البدن) شرط الخروج؛ لأن نفس النجاسة غير ناقضة ما لم توصف بالخروج؛ إذ لو كانت نفسها ناقضة لما حصلت الطهارة لشخص ما.

والمراد من البدن بدن الحي حتى [إذا] (٥) خرجت النجاسة من بدن الميت بعد غسله لا يعاد غسل الميت، بل يغسل ذلك الموضع لا غير.


(١) لعله كتاب المدخل إلى النحو، للمبرد، إيضاح المكنون (٤/ ٣٢٩).
(٢) هو الإمام، ظهير الدين: أحمد بن اسماعيل التمرتاشي، الحنفي، أبو محمد، وقيل أبو العباس، الخوارزمي، التمرتاشي نسبة إلى تمرتاشي، قرية من قرى خوارزم، من تصانيفه: ١ - فتاوى التمرتاشي ٢ - شرح الجامع الصغير ٣ - كتاب التراويح. انظر: الجوار المضيئة (١/ ٦١) وكشف الظنون (٢/ ١٢٢١) ومعجم المؤلفين (١/ ١٦٧) والفوائد البهية (١/ ١٥) والأعلام للزركلي (١/ ٩٧).
(٣) شرح الجامع الصغير للتمرتاشي -مخطوط-.
(٤) انظر: المبسوط للسرخسي (١/ ٨٤) باب الوضوء والغسل.
(٥) في (ب): «لو».