للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

-قوله: (فتجاوزا): شرط التجاوز إلى موضع؛ لأن الخروج إنما يتحقق بالتجاوز فكان هذا احتراز عما يبدو ولم يتجاوز؛ لأن ذلك لا يسمى خارجًا، وإنما ذكر هذا وإن كان هو [مستفادًا] (١) من قوله: خرجا. لما أن زفر: ظن البادي خارجًا حتى أورد ما لم يسل، نقضًا لقولنا: الخارج النجس من غير السبيلين ناقض للوضوء.

-قوله:) حكمُ التطهير): أيُّ حكمٌ هو تطهير. والمراد أن يجب تطهيره في الجملة كما في الجنابة، حتى لو سال الدم من الرأس إلى قصبة الأنف انتقض الوضوء، بخلاف البول إذا نزل إلى قصبة الذكر ولم يظهر؛ لأن هناك النجاسة لم تصل إلى موضع يلحقه حكم التطهير، وفي الأنف وصلت النجاسة إلى موضع يلحقه حكم التطهير، فإن الاستنشاق في الجنابة فرض وفي الوضوء سنة، كذا ذكر في «المبسوط» (٢).

وعن هذا قلنا: إذا كان في عينه قرحة ووصل الدم منها إلى جانب آخر من عينه لا ينقض وضوءه؛ لأنه لم يصل إلى موضع يجب غسله في الجملة.

-قوله: (أمرٌ تعبدي): [التعبد بندر كي كرفتن] (٣) أي: تعبدنا الله تعالى وكلفنا بغسل الأعضاء الأربعة عند وجود الحدث من السبيلين من غير أن ندركه بالعقول؛ إذ العقل يقتضي وجوب غسل موضع أصابته النجاسة فأمر الوضوء على عكس هذا؛ فإن النجاسة تخرج من أحد السبيلين وأنت تغسل الوجه واليد فكان هذا أمرًا غير مدرك بالعقل فيقتصر على مورد النص وهو خروج النجاسة من السبيلين، هذا هو المعنى المذكور في الكتاب.

ووجهٌ آخر: وهو أن القياس يقتضي وجوب غسل كل الأعضاء كما في المني، بل بالطريق الأولى؛ لأن الغائط أنجس من المني؛ لأن في المني اختلافًا في نجاسته، ولما وجب غسل كل الأعضاء في المني يجب في الغائط بطريق الأولى، فالاقتصار على الأعضاء الأربعة بعد هذا كان أمرًا تعبديًّا.

ولنا: قوله -عليه السلام-: «الوَضُوءُ مِنْ كُلِّ دَمٍ سَائِلٍ» (٤).

فإن قلت: هذا مبتدأ وخبره ما اقتضاه الجار والمجرور وهو مستحب أو سنة أو واجب، فما الوجه في تعيين الواجب؟

قلت: فيه وجهان:

أحدهما: أن هذا إخبار، والإخبار آكد من الأمر في اقتضاء الوجوب؛ لما أن الإخبار يقتضي وجود المخبر به لا محالة من غير اختيار، لئلا يلزم الكذب في الإخبار فعدل عن الوجود (٥)، لئلا يلزم الخبر إلى آكد الوجوب ليكون داعيًا إلى الوجود، فكان الإخبار أقوى في اقتضاء الوجوب، ولو كان أمرًا لكان الوضوء واجبًا فكذا في الإخبار.


(١) في (ب): «يستفاد».
(٢) انظر: المبسوط للسرخسي (١/ ٨٣).
(٣) أي تعبدنا الله تعالى وكلفنا بغسل الأعضاء الأربعة، انظر: المعاني لكل رسم معنى قاموس عربي فارسي على الشبكة العنكبوتية.
(٤) الحديث عن تيم الداري -رضي الله عنه- انظر: سنن الدارقطني (١/ ٢٨٧) باب الوضوء من الخارج من البدن كالرعاف، وقد ضعفه الألباني: في ضعيف الجامع برقم (٦١٣٦).
(٥) كتب في حاشية (أ): (الوجوب).