للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثاني: أنه وصف الدم بالسيلان، والدم السائل نجس نجاسة غليظة كالغائط فكان ملحقًا به بدلالة النض؛ لأنهما لا يتفاوتان في أن كل واحدٍ منهما خارج نجس من بدن الإنسان، وهذا كقوله -عليه السلام-: «لا قَودَ إلا بِالسَّيْفِ» (١). فألحق به الخنجر؛ لأنهما لا يتفاوتان في إزهاق الروح مع تمزيق الجلد.

قال الْمُطَرِّزِيُّ: «رعف سال رعافه، وفَتْحُ العين هو الفصيح» (٢)، فوجه التمسك بالحديث ظاهر، وهو أنه -عليه السلام- أمر بالانصراف والمضي على صلاته بعد الشروع واجب لئلا يلزم إبطال العمل فلا يلزم ترك هذا الواجب إلا بأمرٍ أوجب منه وهو عدم إمكان المضي، [ولن] (٣) يكون ذلك ها هنا إلا بانتقاض الوضوء.

فإن قلت: لا نسلم بأن عدم إمكان المضي منحصر على انتقاض الطهارة، بل فيه وجهٌ آخر، وهو إصابة نجاسة الرعاف ببدنه، أو ثوبه فجاز أن يكون أمر الانصراف واقعًا لغسل النجاسة الحقيقية لا للحدث.

قلت: لا يصح هذا لوجهين:

أحدهما: الاستدلال بلفظ الوضوء؛ فإن مطلقه في متعارف لسان الشرع واقع على ما اختلفنا فيه فلا ينصرف إلى ما عليه حقيقة اللغة من الغسل إلا بدلالة كالصلاة والحج، فإن مطلقهما ينصرف إلى ما هو المعهود في الشرع لا إلى ما عليه حقيقة اللغة من الدعاء والقصد، ولا يقال: قد ورد في لسان الشرع غير الوضوء المعهود في الشرع من غسل الفم لقوله -عليه السلام-: «هَكَذَا الْوضُوء مِنَ الْقَيْءِ» (٤)؛ لأنا نقول: إن النبي -عليه السلام- أخرج ذلك على طريق المشاكلة لجواب سائل في قوله: ألا تتوضأ وضوءك للصلاة، كقوله تعالى: {صِبْغَةَ اللَّهِ} [البقرة: ١٣٨]، والمراد منها دين الله، لكنها مخرجة على طريق المشاكلة لما عرف.


(١) أخرج هذا الحديث ابن ماجة في سننه (٢/ ٨٨٩) باب لا قود إلا بالسيف، عن النعمان بن بشير -رضي الله عنه- وقال في الزوائد في إسناده جابر الجعفي وهو كذاب وعن طريق أبي بكرة -رضي الله عنه- وقال في الزوائد في إسناده مبارك بن فضالة وهو يدلس وقد عنعنة وكذا الحسن. وانظر: سنن الدارقطني (٤/ ٦٩) كتاب الحدود والديات وغيره، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- وقال فيه سليمان بن أرقم متروك. قال عنه الألباني: ضعيف جداً، انظر: الإرواء (٧/ ٢٨٧)، وفي ضعيف الجامع برقم (٦٣٠٧).
(٢) انظر: المغرب في ترتيب المعرب، للمطرزي (١/ ١٩١) باب الراء مع العين المهملة لناصر بن عبدالسيد الخوارزمي المطرزي المتوفى ٦١٠ هـ، الناشر: دار الكتاب العربي.
(٣) في (أ): «وأن» والتصويب من (ب).
(٤) الحديث عن ثوبان -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صائماً من غير رمضان فأصابه غمّ أذاه فتقيا، فقاء فدعاني بوضوء فتوضأ ثم أفطر فقلت يا رسول الله أفريضة الوضوء من القيء؟، قال «لو كان فريضة لوجدته في القرآن، فقال: ثم صام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الغد فسمعته يقول: «هذا مكان إفطاري أمس» لم يروه عن الأوزاعي غير عتبة بن السكن وهو منكر الحديث. انظر: سنن الدارقطني (١/ ٢٩٢) والحديث برقم (٥٩٥) باب الوضوء من الخارج من البدن كالرعاف. وضعف هذا الحديث أشرف عبد المقصود عبد الرحيم في تخريج الأحاديث الضعاف من سنن الدارقطني (١/ ٢٤٢)، الناشر: دار عالم الكتب- الرياض ١٤١١ هـ.