للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تَرِثُ فِي الْوَجْهَيْنِ (١)، أي: في العدّة وبعد انقضاء العدّة، كما لو كان الطّلاق برضاها أو قبل الدّخول أو مات بعد انقضاء العدّة، وكما لو برأ ثم مات وهي في العدّة، وكما لو ماتت المرأة لا ميراث له منها.

ولنا حديث عبد الرّحمن بن عوف وهو المعروف، ولم ينكر عليه أحد -كذا في الشّامل- والزّوجة في هذه الحالة هذا جواب عن حرف الخصم، وهو قوله: ولهذا لا يرثها إذا ماتت، معنى أنّ الزّوج إذا كان مريضاً لا يتعلّق للزّوج حقّ في مال المرأة؛ لأنّ المرأة صحيحة فلا يرث الزّوج إذا ماتت؛ إمّا لأنّه لم يتعلّق حقه بمالها، أو لأنّه لما طلقها صار راضياً لحرمان إرثه عنها، كما إذا طلقها بسؤالها لا يرث المرأة.

فأمّا الزوج فيما نحن بصدده فظالم، فجاز أن يتعلّق حق المرأة بماله، فلا تُحرم عن ميراثه ردًا لقصده.

قوله -رحمه الله- فيبطل (في حقه) بالنّصب؛ لأنّه جواب النفي (فإذا طلّقها ثلاثاً بأمرها) إلى آخره وإذا طلّقها بسؤالها فلا ميراث لها.

وكذلك إذا وقعت الفرقة بمعنى من قبلها، فلا ميراث لها؛ لأنّا إنما بقينا النكاح في حق الإرث مع وجود القاطع صيانة لحقها، وقد رضيت لبطلان حقها بسؤال الطلاق، ولمباشرته سبب الفرقة فعمل القاطع عمله.

وعن هذا قلنا أن امرأة العنين إذا اختارت نفسها في مرض الموت، فلا ميراث لها، وإذا جامعها ابن المريض مكرهة لم يرث؛ لأنّ الفرقة غير مضاف إلى الزّوج، وبقاء الإرث بعد الفرقة بسبب الفرار، وذلك عند إضافة الفعل إليه، فإذا لم يوجد لا يبقى الميراث، قال: إلا أن يكون الأب أمر الابن بذلك؛ لأنّه ينتقل فعل الابن إلى الأب في حق الفرقة، فصار كأن الأب باشر بنفسه للفرقة فيصير فاراً.

وفي «فتاوى أبي الليث» (٢): (٣) إذا قالت لزوجها: طلّقني فطلقها ثلاثاً، ثم مات وهي في العدّة ورثت استحساناً؛ لأنّها سألت الواحدة وهو طلقها ثلاثاً، بغير رضاها -كذا في «المحيط» (٤) - ثم مات وهي في العدّة لم ترثه، وكذلك إذا كانت المرأة أمة أو كتابية حين أبانها في مرضه، ثمّ عتقت الأمة وأسلمت الكتابية، فلا ميراث لها وإن مات [وهي] في العدّة؛ لأنّه لم يكن فارًا من ميراثها، ثم طلقها، إذ لم يتعلّق حقّها بماله في المرض، فلو ورثت كان فيه إقامة العدة مقام النكاح في ابتداء الاستحقاق بعد العتق والإسلام، وذلك غير ما اتفق عليه الصّحابة، فلا يمكن إثباته بالرأي -كذا في «المبسوط» (٥) -، وَالتَّأْخِيرِ لِحَقِّهَا، أي: تأخير عمل الطّلاق لأجل حقّ المرأة، فإذا رضيت بسقوط حقّها بالخلع، فلا حاجة إلى تأخير عمل الطّلاق لأجل حق المرأة إلى انقضاء العدّة في حقّ التّوريث، وإن قال لها في مرضه: إلى آخره، فعند أبي حنيفة -رحمه الله- في هذه المسألة والمسألة التي تجيء بعدها يجب الأقلّ، وقول زفر في مقابلته يجب فيهما بالغًا ما بلغ، وعندهما في المسألة الأولى تجب بالغًا ما بلغ.


(١) ينظر: الأم للشافعي (٥/ ٢٧١).
(٢) فتاوى: أبي الليثنصر بن محمد بن أحمد السمرقندي. المتوفى: سنة ٣٨٣، ثلاث وثمانين وثلاثمائة. ينظر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (٢/ ١٢٢٠).
(٣) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٦/ ١٥٦).
(٤) يُنْظَر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٣/ ٤١٢).
(٥) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٦/ ١٥٦).