للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي الثّانية يجب الأقل وَهِيَ سَبَبُ التُّهْمَةِ، وَالْحُكْمُ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِ التُّهْمَةِ وَلِهَذَا يُدَارُ عَلَى النِّكَاحِ وَالْقَرَابَةِ، وهي أي: العدّة بسبب التهمة، أي تهمة إيثار الزّوج الزّوجة على سائر الورثة بزيادة نصيب لها كما في حقيقة الزّوجة، والحكم: أي عدم صحّة الإقرار والوصيّة على دليل التّهمة كالعدّة والنكاح والقرابة.

وَلِهَذَا يُدَارُ، أي: الحكم الذي ذكرنا وهو عدم صحّة الإقرار والوصيّة، عَلَى النِّكَاحِ وَالْقَرَابَةِ؛ أي: لا يجوز وصيته ولا إقراره لمنكوحته وقريبه، لهذا المعنى وهو أن الْحُكْمُ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِ التُّهْمَةِ، فالنكاح والعدة والقرابة دليل التهمة، وتلخيص هذا الكلام هو أن في إقراره ووصيته لمنكوحته بعد الطّلاق تهمة المواضعة، فإنّ الإنسان قد يختار الطّلاق لينفتح باب الوصيّة والإقرار له، ولكن التهمة أمر مبطّن، فلذلك أراد الشّرع حكم التهمة مع دليل التهمة، ولم يعتبر التّهمة عند عدم دليلها.

ألا ترى أنّه أدار حكم التّهمة وهو عدم قبول الوصيّة والإقرار مع النكاح والقرابة، حيث لم تجوز الوصيّة والإقرار بمنكوحته به ولقريبه بالإجماع؛ فلذلك لم يعتبر أيضاً الوصية والإقرار بمعتدته.

وأمّا المرأة التي يصادف الزّوجان على أنّ عدتها قد انقضت فليس فيه دليل التهمة، فلذلك اعتبرنا صحّة إقراره ووصيته لها، لكونها أجنبيّة كسائر الأجنبيات، يوضحه أنّه لو اعتبرت التهمة هنا، لاعتبرت في حقّ التزوّج لما أن الحلّ والحرمة يوجد فيهما بالاحتياط، وإذا كان يجوز له أن يتزوّج أختها وأربعًا سواها، ويجوز لها أن تتزوّج بزوج آخر، عرفنا أنّه لا تهمة فيه أصلاً، وأبو حنيفة -رحمه الله- (١) لَمَّا مَرِضَ، وَالنِّكَاحُ قَائِمٌ بَيْنَهُمَا فِي الظَّاهِرِ، فَقَدْ صَارَ مَمْنُوعًا عَنْ الْإِقْرَارِ، والوصيّة لها، ومحتمل تهمة المواضعة إلى آخره، ولكن هذه التهمة فيما بينهما وبين سائر الورثة لا في حق الشّرع، وحلّ التزوّج حق الشّرع؛ فلهذا صدقا في ذلك -كذا في «المبسوط» (٢) وجامع الصّغير لفخر الإسلام-.

قال بكر -رحمه الله-: ما تأخذه، تأخذه بطريق الميراث لا بطريق الدّين، وفايدته يظهر لو نوي شيء من التركة قبل القسمة، فالنوى على الكلّ ولو كان ما يأخذه يأخذه بطريق الدّين لَكَانَ التَّوَى (٣) على الورثة مادام شيء من التركة قائمًا، وكذا لو طلبت أن يأخذ دنانير (٤) والتركة عروض، ليس له ذلك ولو كان ما تأخذه تأخذه دينًا، فكان لها ذلك، ولو أرادت أن تأخذ من عين التركة ولا يعطها الورثة ليس لها ذلك، وتعامل فيه بناء على زعمها؛ لأنّ في زعمها أن لا تأخذه تأخذه بطريق الدّين، فالحاصل أنّ الشّرع رجح جانب الورثة أن يعطوها من عين التركة فلهم ذلك، وإن اختاروا أن يُعْطُوهَا مِنْ غَيْرِ التَّرِكَةِ فلهم ذلك -كذا ذكره التمرتاشي (٥) -، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ أي حُكْمُ الْفِرَارِ بما هو في معنى المرض إلى آخره، فأثبتهذا أن حكم الفرار غير منحصر بالمرض، بل كلّ شيء يقربه إلى الهلاك غالباً، فهو في معنى مرض الموت وما لا فلا.


(١) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٦/ ١٦٦).
(٢) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٦/ ١٦٦).
(٣) هَلَاكُ الْمَالِ ينظر: مختار الصحاح (ص: ٤٧)
(٤) جمع دينار و الدِّيْنَارُ: فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، وأَصله دِنَّارٌ، بِالتَّشْدِيدِ ينظر: لسان العرب (٤/ ٢٩٢).
(٥) ينظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٢/ ٢٤٨).