للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بخلاف النّفقة، فإنّها بالردّة تسقط ثم بالإسلام تعود؛ لأنّها معتدة -كذا ذكره الإمام التمرتاشي (١) رحمه الله-؛ إذْ الْمُرْتَدُّ لَا يَرِثُ أَحَدًا؛ لأن الإرث ولاية لنفوذه على المورث وعلى سائر الورثة، وبالارتداد تنقطع الولاية؛ لِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ لَا تُنَافِي الْإِرْثَ، بل تنافي النكاح كَمَا فِي الْأُمِّ وَالْأُخْتِ وهو الباقي، أي: الإرث، فَتَكُونُ رَاضِيَةً بِبُطْلَانِ السَّبَبِ، أي: سبب الإرث وهو النكاح، لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِالْمُطَاوَعَةِ لِتَقَدُّمِهَا عَلَيْهَا، أي: لتقدم الحرمة الحاصلة بالطّلقات الثلاث على المطاوعة، ولاعن في المرض ورثت.

وقال محمّد -رحمه الله-: لا ترث؛ لأنّ الطّلاق إنّما يقع بلعانها؛ لأنّه آخر اللعانين، فكان آخر المدارين (٢).

فإن قيل: لا كذلك، لأن الفرقة إنّما تقع بقضاء القاضي عندنا، فكان القضاء آخر المدارين.

قلنا: اللعان شهادة عندنا - على ما يأتي - والحكم أبدًا يثبت بالشّهادة لا بالقضاء، وجه قولهما: أن الفرقة وإن كانت تقع بلعانها، إلا أنّها مضطرة في ذلك، لاستدفاع العار عن نفسها.

وقد ذكرنا أنها إذا باشرت الشّرط عن اضطرار، لا تحرم عن الميراث -كذا في «الفوائدالظهيرية» (٣) -.

وقد بيّنا الوجه فيه، وهو قوله: لأنّها مضطرة في المباشرة فيكون ملحقاً بالتّعليق بمجيء الوقت، فصار كأنّه قال: إذا مضت أربعة أشهر ولم أقربك، فأنت طالق، ولو علّق الطّلاق في صحّته بأمر سماوي، ووجد الشّرط في المرض لا يكون فارًّا، فلذلك ههنا.

فإن قيل: الإيلاء ليس نظير تعليق الطّلاق بمجيء الوقت، وإن كان الإيلاء في الصحّة لما أنّه متمكن من إبطال الإيلاء بالعي، فإذا لم يبطل في حالة المرض، صار كأنّه إنشاء الإيلاء في المرض، وهناك يرث فكذلك ههنا، فكان نظير من كلّ وكيلاً في صحّته بالطّلاق، فطلّقها الوكيل في المرض كان فارًّا؛ لأنّه كان متمكنًا من العزل فإذا لم يعزل جعل كأنّه إنشاء، كذلك ههنا.

قلت: الفرق بينهما ثابت وهو أنّه لا يمكنه إبطال الإيلاء إلا بضرر يلزمه، فلم يكن متمكّنًا مطلقاً، خلاف مسألة الوكالة -كذا ذكره الإمام قاضي خان رحمه الله-، (والطلاق الذي يملك فيه الرجعة، ترث به في جميع الوجوه)، أي: سواء كان الطّلاق بسؤالها أو بغير سؤالها، وسواء كان التّعليق بفعلها أو بفعله، وسواء كان الفعل ممّا لها منه بدًّا ولم يكن سوى قيام العدّة، فإنّه مشروط فيها جميعًا والله أعلم.


(١) ينظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٧/ ١٣٩)، ودرر الحكام شرح غرر الأحكام (١/ ٣٨٣).
(٢) ينظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٣/ ٤١٥).
(٣) يُنْظَر: البناية تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٣/ ٢٨٦).