للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: وسنقرّره، إشارة إلى ما ذكر في آخر هذا الباب، وهو قوله: أنّها قائمة حتّى ملك مراجعتها إلى آخره.

فإن قلت: كما سمّى الله تعالى الرّجعة إمساكًا، فكذلك سمّاها ردًّا في قوله: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} (١)، وحقيقة الردّ لا يكون إلا بعد الزّوال.

قلت: لمّا قامت لنا مسائل إجماعية بأن الملك لم يُزل، لزم علينا أن نحمل معنى الردّ إلى الردّ الذي هو إعادتها إلى الحالة الأولى، حتّى لا تبين بانقضاء العدّة؛ لا لأنّه يعيدها إلى الملك بعد الزّوال، أمّا المسائل فهو أنّه يملك الاعتياض بالخلع بعد الطّلاق الرّجعي إجماعاً، وملك الاعتياض لا يكون إلا بعد بقاء أصل الملك، وكذلك يملك عليها سائر التصرّفات التي كان يملك عليها قبل الطّلاق، وهو الظّهار والإيلاءواللعان، دلّ ذلك على بقاء الملك مطلقاً.

فإن قلت: جاز أن يثبت حرمة الوطء، مع قيام أصل الملك، كمن كاتب أمته يحرم وطؤها، وإن بقي الملك بعد الكتابة.

قلت: ملك النكاح ليس نظير ملك اليمين، فإن صفة الحلّ تنفك هناك عن أصل الملك ابتداء وبقاء، كما قلنا في الأخت من الرضاعة، والأمة المجوسية، وهنا صفة الحلّ لا تنفصل عن أصل الملك ابتداء وبقاء -إلى هذا أشار في «المبسوط» (٢) -.

والأولى في الاستدلال في حلّ الوطء بعد الطّلاق الرّجعيّ ما ذكره في «الأسرار»، فقال: قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (٥) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ} (٣)، استثنى الأزواج من وجوب الحفظ، فيثبت أنّه لا يجب والزّوجية قايمة؛ لأنّ الزّوج والبعل سواء لغة، فالله تعالى سمّى المطلّقين بعولة بعد الطّلاق الرّجعي، فقال: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} (٤).

وكذلك قال تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} (٥)، وأراد به الرّجعة، والإمساك كف عن الزّوال لا ردّ.

وَالْفِعْلُ قَدْ يَقَعُ دَلَالَةً عَلَى الِاسْتِدَامَةِكَمَا فِي إسْقَاطِ الْخِيَارِ، كمن باع أمته على أنّ البايع بالخيار ثلاثة أيّام، ثم وطؤها البائع يسقط الخيار، كما إذا أسقط بالقول، وهنا أولى؛ لأنّ في البيع يحتاج إلى رفع السّبب المزيل وهو البيع، أمّا هنا لا يحتاج إلى رفع الطّلاق، بل يحتاج إلى منع ما لولاه يزول والمنع أسهل من الرّفع، فلأن يكون الفعل دليلاً على الاستدامة هنا أولى، والجامع بينهما وجود السّبب المزيل، وَالدَّلَالَةُ فِعْلٌ يَخْتَصُّ بِالنِّكَاحِ، أي: يجب أن تكون دلالة استدامة النكاح التي هي الرجعة بفعل هو مخصوص بالنكاح، مثل الوطء والتقبيل بشهوة والنظر إلى الفرج لا مطلق الفعل، مثل النظر إلى وجهها والمسّ بغير شهوة وهذه الأفاعيل وهي الوطء وغيره يختصّ به أي: بالنكاح.


(١) [البقرة: ٢٢٨].
(٢) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٢٠).
(٣) [المؤمنون: ٥ - ٦].
(٤) [البقرة: ٢٢٨].
(٥) [البقرة: ٢٢٩].