للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فإن قلت: أين ذهب قولكم إنّ القِرَان في النظم، لا يوجب القِرَان في الحكم، كما في قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} (١) فكيف أوجب ههنا؟.

قلت: هذا ليس من قبيل ذاك، فإنّ الذي نحن بصدده جملتان، تقفتهماجملة أخرى واقعًا حكم الأخيرة عليهما على السّواء، وما هذا شأن الجملتين لا يتخلّف حكم أحدهما عن الأخرى، وهذا لأنّ أمر الإشهاد لمّا كان منصرفاً إليهما، وهو لفظ واحد استحال أن يراد من اللّفظ الواحد معنيان مختلفان، فلذلك ما أريد من إحدى الجملتين كان مرادًا من الأخرى، وألا يلزم المحال.

يوضحه أن حكم الجملتين لمَّا لم يختلف بسبب شمول حكم جملة أخرى عليهما، كانت الجملتان بمنزلة حمل متّصل ببعض تقّفاها كلمة الاستثناء، فإنّها تشمل الكلّ وتلغي حكم الكلّ، كما إذا قال: أنت طالق، وعبدي حر، وعلي نذر صوم، إن شاء الله، وكذلك لو كان المذكور شرطًا مكان الاستثناء يتعلّق كلّها بالشّرط، فكانت كلّ واحدة من تلك كأنّها جملة ناقصة لدخول كلّها تحت حكم جملة أخرى، والقِرَان في الجمل النّاقصة يوجب القِرَانُ في الحكم، فكذلك ههنا، فكان كقوله تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} (٢) إلى قوله: {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (٣)، ولا شكّ أنّ ذلك الوعد العظيم شامل لكلّ منهم على السّواء.

فكذلك ههنا بخلاف قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} (٤)، فإنّ كلّ واحدة من الجملتين مستقلة بنفسها، لم يلحقها ما ينافي استقلالها، فكذلك لم يقتضي ثبوت الحكم في إحداهما ثبوته في الأخرى.

وذكر في «المبسوط» في قوله: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} (٥)، فقال: ألا ترى أنّه جمع بين الفرقة والرّجعة وأمر بالإشهاد عليهما، ثمّ الإشهاد على الفرقة مستحبّ لا واجب، فكذلك على الرجعة، وهو نظير قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} (٦) ثم البيع صحيح من غير إشهاد (٧)، فكان قود تقرير هذا كما ترى دالاً على ما قلنا، ويستحبّ أن يعلمها، أي: ويستحبّ للزّوج] إذا راجعها (٨) أن يعلمها بمراجعتها بأنّه راجعها، وذلك لأنّه لو لم يعلمها بالرّجعة ربما تقع المرأة في المعصية، فإنّها ربما تتزوج بناء على زعمها أن زوجها لم يراجعها، وقد انقضت عدّتها فتزوّجت آخر، وجامعها الزّوج الثاني فكانت هي عاصية، وزوجها الذي أوقعها فيها مسيئاً بتركه الإعلام، ولكن مع ذلك لو لم يعلمها بالرّجعة جاز؛ لأنّ الرّجعة عندنا استدامة للقائم، وليست بإنشاء فكان الزّوج بالرّجعة متصرفاً في خالص حقه] وتصرف الإنسان في خالص حقّه (٩) لا يتوقّف على علم الغير - كذا في «المحيط» (١٠) -.


(١) [البقرة: ٤٣، وغيرها].
(٢) [الأحزاب: ٣٥].
(٣) [الأحزاب: ٣٥].
(٤) [البقرة: ٤٣، وغيرها].
(٥) [الطلاق: ٢].
(٦) [البقرة: ٢٨٢].
(٧) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٦/ ١٩).
(٨) زيادة في (ب).
(٩) سقط من (ب).
(١٠) المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٣/ ٤٢٣).