للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم ذكر فيه وفي «الأسرار» ومسألة فيها يختلف كبار الصّحابة -رضي الله عنهم- يعوز فقها ويصعب الخروج منها.

سَمَّاهُ مُحَلِّلًا وَهُوَ الْمُثْبِتُ لِلْحِلِّ.

فإن قيل: في الطّلقة والطّلقتين الحلّ موجود، فلا حاجة إلى إثبات الحلّ.

قلنا: الحلّ وإن كان موجودًا لكن الزّوج الثّاني يثبت الحلّ الجديد، وهو أنّها لا تحرم بالطّلقة إذا كانت مسبوقة بالتّطليقتين، ولا تحرم بالطّلقتين إذا كانت مسبوقة بالطّلقة علم أنّ الزّوج الثّاني مثبت للحلّ الجديد، وإن كان الحلّ باقياً في المحلّ قبل الطلقات الثلاث.

أو نقول أنّ المحلّ إن كان لا يقبل إثبات أصل الحل لكن يقبل إثبات وصف الكمال في الحل لانتقاصه بالطّلقة والطلقتين وإذا طلّقها ثلاثاً، فقالت: انْقَضَتْ عِدَّتِي وَتَزَوَّجْت وَدَخَلَ بِي الزَّوْجُ إلى آخره.

وإنّما ذكر أخبارها هذا مبسوطًا مطولاً -كما ترى- فإنّها لو قالت للأوّل: حلّلت لك فتزوّجها، ثم قالت: أنّ الثّاني لم يكن دخل بي إن كانت عالمة بشرائط الحلّ للأوّلى لم تصدق، وإلا فتصدق، وفيما ذكرت مبسوطًا لا يصدّق في كلّ حال، وعن شمس الأئمة السّرخسي

-رحمه الله-حلَلْت لَك، لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا مَا لَمْ يَسْتَفْسِرْهَا، لِاخْتِلَافٍبين النّاس في حلّها له بمجرّد العقد، وفي التّفاريق: ولو توقعها ولم يسألها، ثم قالت: ما تزوّجت أو خلا بي ولم يدخل بي صدقت، بخلاف قولها: لم تنقض عدّتي، وإن قال الزّوج لها ذلك، وكذبته، تقع الفرقة كأنّه طلّق ويجب المهر (١).

ولم يمرّ بي لو قال: المحلّل بعد الدّخول: كنت حلفت بطلاقها إن تزوّجها، هل تحل هي للأوّل؟ قلت: يبنى الأمر على غالب ظنها، إن كان صادقاً عندهما فلا يحلّ له وإن كان كاذباً تحلّ.

وعن الفضلي (٢) -رحمه الله-: لو قالت: للأوّل تزوّجني فإني قد تزوّجت غيرك، وانقضت عدّتي، فتزوّجها، ثم قالت: لم أكن تزوجت صدّقت، إلا أن يكون قد أقرت بدخول الثّاني -كذا ذكره الإمام التمرتاشي رحمه الله-؛ لأنّها معاملة، أي: لأنّ النكاح معاملة، أنث المبتدأ لتأنيث الخبر، كما في قوله تعالى: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا} (٣)، وفي المعاملة يقبل قول الواحد، ألا ترى أنّ في الهدايا يقبل قول الإماء والعبيد، وكذلك في الأمر الديني، حتّى أنّ واحدًا من المسلمين لو أخبر بنجاسة الماء أو طهارته، وهو عند السّامع صادق، يجوز تصديقه على ما يجيء في الكراهية -إنشاء الله تعالى-، واختلفوا في أدنى هذه المدّة، ذكر في «المبسوط» قبيل كتاب المناسك في باب النّفاس المطلقة (٤) إذا كانت تعتدّ بالإقراء وأخبرت بانقضاء العدّة، قال أبو حنيفة (٥) -رحمه الله-: لَا تَصْدُقُ فِي أَقَلَّ مِنْ سِتِّينَ يَوْمًا، وقال أبو يوسف ومحمّد -رحمهما الله-: تصدّق في تسعة وثلاثين يومًا، وتخريج قولهما أنه يجعل كأنّه طلّقهافي آخر جزء من أجزاء الطّهر، وحيضها أقلّ الحيض ثلاثة وطهرها أقلّ الطّهر خمسة عشر، فالثلاثة إذا كانت ثلاث مرّات يكون تسعة وطّهران إن كان كلّ واحد منهما خمسة عشر يكون ثلاثين، فلذلك صدقت في تسعة وثلاثين يومًا؛ لأنّها أمينة، فإذا أخبرت بما هو محتمل وجب قبول خبرها.


(١) ينظر: المبسوط للسرخسي (١٠/ ١٨٠).
(٢) حَمَّد بن الْفضل أَبُو بكر الفضلي الكماري، ذكره صَاحب الْهِدَايَة تفقه على الْأُسْتَاذ أبي مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد بن يَعْقُوب السبذموني، توفي سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مائَة. ينظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية (٢/ ١٠٧).
(٣) [الأنعام: ٢٣].
(٤) ينظر: المبسوط للسرخسي (٣/ ٢١٧).
(٥) ينظر: المبسوط للسرخسي (٣/ ٢١٧).