للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفي «المبسوط» ذكر مسألة، ثم قال: ولهذا يتبيّن أن أحد الحكمين غير معتبر بالآخر أراد بالحكمين الطّلاق بمضي مدّة الإيلاء والكفّارة بوجود الحنث، ألا ترى أنّه إذا قال: إذا جاء غد فوالله لا أقربك، ثم قال: ثانياً وثالثاً فجاء الغد، ينعقد ثلاث أيمان في حكم الكفّارة ومدة واحدة في حكم الطّلاق، فإنّ عند مضي أربعة أشهر يقع تطليقة باينة لا غير، كما لو لم تكرّروعلى عكس هذا، لو قال: كلّما دخلت الدّار فوالله لا أقربك، فدخل الدّار ثلاث مرّات في ثلاث أيّام، ينعقد ثلاث إيلاءات في حكم الطّلاقولو قربها يلزمه كفارة واحدة (١).

ولو قال: والله لا أقربك إذا جاء غد، والله لا أقربك إذا جاء بعد غد، يصير مولياً عند الغد وبعد الغد -أيضاً- بإيلاء آخر، وهما يمينان في حق الكفارة بتعدّد اللّفظين وإيلاآن في حقّ البر بتعدّد المدّتين ومدّة إيلاء الأمة شهران.

وقال الشّافعي (٢) -رحمه الله-: مدّتها كمدة إيلاء الحرّة، وهذا يبتنى على الأصل الذي ذكرنا، أن عند الخصم (٣) المدّة ضربت لإظهار الظّلم بمنع الحق في الجماع، والحرّة والأمة في ذلك سواء، وعندما شرعت أجلاً للبينونة، فشابهت مدّة العدّة فينتصف بالرق؛ لأنّه من حقوق النكاح -كذا في «الإيضاح» (٤) - وإنكان المولي مريضاً إلى آخره.

فإن قيل: ينبغي أن لا يصحّ إيلاء المريض؛ لأنّ الحكم بوقوع الطّلاق عند انقضاء أربعة أشهر للحاجة إلى دفع الظلم منها؛ لأن الوقاع حق مستحق لها، وهو بالامتناع يصير ظالمًا ولا حق لها في الوقاع في حالة المرض، فلا يكون وهو ظالمًا بالامتناع بقوله: والله لا أقربك.

قلنا: النصّ يقتضي صحّة الإيلاء من النساء مطلق غير مقيّد بوصف الصحّة، وفيما ذكر من التّعليل إبطال حكم النصّ والتّعليل بوجه يبطل حكم النصّ باطل؛ لأنّ الحكم في موضع النصّ ثابت بالنصّ لا بالعلّة -كذا ذكر شمس الأئمة السّرخسي في أوّل كتاب البيوع-؛ ولأنّ المرض قد يطول وقد يقصر فكان هو ظالمًا على تقدير أن يقصر مرضه من أربعة أشهر -إلى هذا أشار في «الفوائد الظهيرية» (٥) -.


(١) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٧/ ٣٢).
(٢) يُنْظَر: الأم للشافعي (٥/ ٢٩١).
(٣) المراد هنا الشافعي رحمة الله. انظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٢/ ٢٦٦).
(٤) ينظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٢/ ٢٦٦)، والعناية شرح الهداية (٤/ ٢٠٥).
(٥) ينظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٢/ ٢٦٧).