للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(وَلَوْ حَلَفَ بِحَجٍّ) بأن قال: قربتك فعلي حجّة البيع، موهوم فَلَا يَمْنَعُ الْمَانِعِيَّةَ فِيهِ، أي: في الإيلاء؛ ولأن البيع لا يتمّ به وحده، وربما لا يجد في المدّة مشترياً يشتريه منه، ولكن إن باع العبد سقط الإيلاء عنه؛ لأنّه صار بحال يملك قربانها من غير أن يلزمه شيء، فإن اشتراه لزمه الإيلاء من وقت الشّراء؛ لأنّه صار بحال لا يملك قربانها إلا بعتق يلزمه.

ولو كان جامعها بعدما باعه ثمّ اشتراه لم يكن مولياً؛ لأنّ اليمين قد سقطت بوجود شرط الحنث بعد بيع العبد، وإن مات العبد قبل أن يبيعه سقط الإيلاء؛ لأنّه يتمكّن من قربانها بعد موت العبد من غير أن يلزمه شيء -كذا في «المبسوط» (١) -، وإن آلى من المطلّقة الرجعيّة كان مولياً.

فإن قلت: تحقق الإيلاء لجزاء الظّلم الذي وجد من الزّوج يمنع حقها، فلذلك لم يثبت في حقّ الأمة، وثبت في حق المنكوحة، لما أنّ للمنكوحة ولاية المطالبة ديانة دون الأمة على ما مرّ، ثم المطلّقة الرجعيّة لا حق لها أصلاً في الجماع، لا قضاء ولا ديانة، ولهذا لم يكن لها ولاية المطالبة بذلك، حتّى أنّ المستحب للزّوج أن يراجعها بدون الجماع؛ لما مرّ فلم يكن الزّوج مانعًا حقّها، فلا يكون ظالمًا فينبغي أن لا يترتب عليه جزاء الظلم الذي هو تحقّق الإيلاء.

قلت: قال الإمام العلامة مولانا شمس الأئمة الكردري (٢) -في جواب هذه الشبهة-: أن الحكم في المنصوص مضاف إلى النّص لا إلى المعنى، والمطلّقة الرجعيّة من نسائنا بالنص، وهو قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} (٣).

والبعل هو الزّوج، فكانت المرأة من نسائه، فكان الحكم المرتّب على نساء الأزواج، بقوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} (٤) مرتباً على المطلقة الرجعة.

ولو قال لأجنبيّة: والله لا أقربك، ثمّ تزوّجها لم يكن مولياً، هذا إذا لم يثبت الإيلاء في ضمن التّعليق بالملك.

وأمّا إذا ثبت فيصحّ بأن قال لأجنبيّة: إنّ تزوّجتك فوالله لا أقربك، فتزوّجها، كان مولياً؛ لأنّه علّق الإيلاء بالتزوّج، والمعلّق بالشّرط عند وجود الشّرط كالمتّخذ لانعدام المحليّة؛ لأنّ المحلّ كون المرأة من نسائنا، فصار كبيع الحرّ، فصار باطلاً إذْ الْيَمِينُ مُنْعَقِدَةٌ فِي حَقِّهِ، أي: في حق الحنث؛ لأنّ اليمين تعمد تصوّر المحلوف عليه من الفعل حسًا ولا يعتمد حلّ ذلك الفعل وحرمته، بدليل أنّه ينعقد على ما هو حرام محض، بأن قال: والله لأشربنّ في هذا اليوم خمراً فمضى اليوم ولم يشرب حنث.


(١) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٧/ ٣٥).
(٢) شَمْس الأَئِمَّة أَبُو الوحدَةِ مُحَمَّد بن عَبْدِ الستَار الكردري، تفقه على برهان الدين، أبي الحسن، وتفقه عليه محمد بن محمود الكردري، توفي سنة اثنتين وأربعين وستمائة. ينظر: سير أعلام النبلاء (٢١/ ١٧٣)، تاج التراجم لابن قطلوبغا (ص: ٢٦٧).
(٣) [البقرة: ٢٢٨].
(٤) [البقرة: ٢٢٦].