للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بخلاف النكرة في الإثبات، لما عرف من الفرق بين قوله: رأيت اليوم رجلاً، وبين قوله: ما رأيت اليوم رجلاً، لما أنّ معنى التنكير في محلّ النّفي لا يتحقق، إلا بالتّعميم ففيما ينبني على نفي القربان، وهو نوع الطّلاق عند مضي المدّة بنّ، ولهن جميعًا كلامه، وفيما يبنى على وجود القربان، وهو الكفارة يتناول كلامه إحداهن؛ فلهذا إذا قرب واحدة منهنّ لزمته الكفارة، وسقط الإيلاء عنهن؛ لأنّ اليمين لم يبق بعد تمام شرط الحنث.

وهذا بخلاف قوله: أحديكنّ، حيث يصير مولياً من واحدة منهنّ في حقّ الطلاق والكفارة جميعًا، حتّى إذا تركهن، ولم يجامعهنّ أربعة أشهر بانت منهنّ واحدة لا بعينها، فإنّ معنى التعميم هناك لا يتحقق.

ألا ترى أنّه لو قَرَن بكلامه حرف كلّ بأن قال: كل أحديكن لا يتناولهنّ جميعًا، ولو قال: كل واحدة منكنّ يتناولهنّ جميعًا، فكذلك بسبب التنكير في موضع النّفي -كذا في «المبسوط» - (١)، (لم يكن مولياً) لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْقُرْبَانُ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ بِالْإِخْرَاجِ مِنْ الْكُوفَةِ.

فإن قلت: يشكل على هذا الأصل ما إذا حلف على أربعة نسوة لا يقربهنّ، فهو مول منهنّ إن تركهنّ جميعًا أربعة أشهر بن بالإيلاء عندناخلافاً لزفر مع أنَّ له أنْ يطأ كلّ واحدة منهنّ إلى أن يأتي الثّلاث منهنّ من غير شيء يلزمه، لما أن الحنث لا يتعلّق بأجزاء المحلوف قبل أن يأتي بالكلّ، كما لو حلف لا يدخل هذه إلا دور الأربع، له أن يدخل كلّ واحدة منها من غير حنث، ما لم يدخل الكلّ، ثم في مسألة الحلف على أربع نسوة بنفي القربان مول في الحال في حقّ كل واحدة منهنّ، علم أنّ إمكان القربان من غير شيء يلزمه لا يمنع صحّة الإيلاء.

قلت: بل يمنع، وإنّما صار مولياً في تلك المسألة، مع إمكان القربان على ما ذكرت؛ لأنّ الحالف مضار متعنت في حقّ كلّ واحدة منهنّ يمنع حقّها في الجماع، فيكون مولياً من كلّ واحدة منهنّ، كما لو عقد يمينه على كلّ واحدة منهنّ على الانفراد، إلا أنّه لا يلزمه الكفارة بقربان بعضهنّ؛ لأنّ الكفّارة موجب الحنث فلا يجب ما لم يتم شرط الحنث، ولكن عند تمام الشّرط لا يكون وجوب الكفّارة بقربان الآخرة فقط بل بقربانهنّ جميعًا.

فأمّا وقوع الطّلاق في الإيلاء فباعتبار البرّ، وذلك يتحقق في كلّ واحد منهنّ، فلهذا بنّ بمضي المدّة -كذا في «المبسوط» (٢) -.


(١) ينظر: المبسوط للسرخسي (٧/ ٢٨).
(٢) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٧/ ٢٧).