للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بخلاف ما إذا سكت أو أعاد اسم الله تعالى أو حرف النّفي على ما ذكرنا.

ثم في المسألة الثّالثة، وهي ما إذا قال -ثانياً بعد المكث-: والله لا أقربك شهرين بعد الشّهرين، لما لم يكن مولياً لو قربها قبل مضي شهرين يجب عليه كفارتان؛ لتعدّد لفظ اليمين بخلاف الأوليين -كذا في «الجامع الصّغير» لفخر الإسلام وقاضي خان والمحبوبي (١) -؛ لأن المستثنى يوم منكر، فلما كان يومًا منكراً، كان ما من يوم يمرّ عليه بعد يمينه إلا ويمكنه أن يجعله اليوم المستثنى، فيقربها فيه من غير أن يلزمه شيء، ثمّ أنّ ذلك اليوم لما كان منكراً لو صرفنا ذلك اليوم إلى آخر السّنة كان معينًا، ولم يبق منكراً فيها، أو تغير كلامه من غير حاجة لا يجوز، وفي الإجارات دعت الحاجة إلى ذلك؛ لأنّا لو جعلنا اليوم منكراً] فيها لم يصح العقد للجهالة، ولا حاجة هنا؛ لأنّ الجهالة لا تمنع انعقاد اليمين، فلذلك جعلنا اليوم المستثنى منكراً (٢) كما نكره -كذا في «المبسوط» (٣) -.

فإن قلت: يشكل على هذا ما إذا قال لغيره: والله لا أكلمك سنة إلا يومًا، فإنّ اليوم مستثنى وهو نكرة، ومع ذلك ينصرف إلى آخر السنة، وإن كان ذكره في اليمين وكذلك يشكل على هذا -أيضاً- ما لو قال: والله لا أقربك إلا نقصان يوم، أو قال لغيره: في التّأجيل أجلتك سنة إلا يومًا ينصرف اليوم إلى آخر السنة.

قلت: أمّا الأولى فإن الحامل له على ذلك اليمين مغايظة، والمغايظة في الحال قائمة، فلذلك صرف ذلك اليوم المستثنى إلى الآخر.

وأمّا المسألة الثّانية؛ لأنّ لفظ النقصان يصرف اليوم المستثنى إلى آخر يوم من السنّة؛ لأنّ النقصان لا يكون إلا من آخر المدّة، فذلك تنصيص على أنّ المستثنى آخر يوم من السنة.

وأمّا المسألة الثّالثة فإنّما انصرف اليوم المستثنى إلى الآخر؛ لأنّ المقصود من التأجيل التأخير، فلو لم يحمل على آخر السنة لا يحصل المقصود، ثم ينكر اليوم في قوله (لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك سَنَةً إلَّا يَوْمًا)، على خلاف التنكير في قوله: لا يقرب واحدة منهنّ لنسوته الأربع، لما أن شيوع اليوم في ذاك لا على طريق التّعميم، بل على طريق البدليّة، وصلاحيّة كلّ يوم لما استثناه؛ لأنّه نكرة في موضع الإثبات فيخصّ، بخلاف قوله واحدة، فإنّ ذلك على طريق التّعميم والشمول، بيان ذلك أن من كان تحته أربع نسوة فحلف، وقال: لا يقرب واحدة منهن، فهو مول منهنّ، فإن مضت أربعة أشهر بنّ جميعًا -في قول أبي حنيفة وأبي يوسف-، لما أنّه ذكر الواحدة منكرة في موضع النّفي؛ لأنّ القربان منفي والنكرة نعم.


(١) يُنْظَر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٢/ ٢٦٤)، والبحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (٤/ ٦٩)، ومجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (١/ ٤٤٤).
(٢) سقط من (ب).
(٣) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٧/ ٢٦).