للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وبعد ذلك التّقريب ظاهر وبمثله، أي: وبمثل الحلف الذي انعقد على ما دون أربعة أشهر لا يثبت حكم الطّلاق بمضي أربعة أشهر، ولو قال: والله لا أقربك شهرين وشهرين بعد هذين الشّهرين، فهو مول، وكذلك لو قال: والله لا أقربك شهرين وشهرين، كان مولياً، أما لو قال: والله لا أقربك شهرين ومكث يومًا أو ساعة، ثم قال: والله لا أقربك شهرين، لم يكن مولياً، وقد صرّح بذكر السّاعة الإمام قاضي خان والإمام المحبوبي (١)، والفرق بينهما راجع إلى أن في المسألتين الأوليين يصير مولياً؛ لوجود العلّتين فإحدى العلّتين هي أنّه لم يعد ذكر اسم الله تعالى في المعطوف ولا حرف النفي، فكان المعطوف داخلاً في حكم المعطوف عليه بحرف الجمع، فصار كأنّه جمع بلفظ الجمع، وقال: والله لا أقربك أربعة أشهر، والعلّة الثّانية هي أن السكوت لم يوجد بعد ذكر المعطوف عليه بيوم أو ساعة فلم يكن المجموع منقوصاً عن أربعة أشهر فيكون مولياً.

وأمّا في المسألة الثالثة فلم يوجد إحدى العلّتين، بل انعدمت كلتاهما، فإنّه أعاد ذكر اسم الله تعالى في المعطوف، فكان كلّ واحد من المعطوف والمعطوف عليه يمينًا على حدة، وليس في كل واحد منهما نصاب مدّة الإيلاء.

وكذلك سكت بعد ذكر المعطوف عليه، فكان المجموع أربعة أشهر إلا يومًا وإلا ساعة، والنقصان من أربعة أشهر مانع لانعقاد الإيلاء.

وكذلك لو قال: (والله لا أقربك شهرين ولا شهرين)، حيث لا يصير مولياً؛ لأن عند إعادة حرف النّفي صار الثّاني إيجابًا آخر، وإذا كان كذلك صارا أجلين فتداخلا، ألا ترى أن من قال: والله لا أكلم فلانًا يومين ولا يومين أنّ اليمين ينقضي بيومين؛ لأنّه أعاد كلمة النّفي، فصار الثّاني منفردًا عن الأوّل، فتداخل وقتهما بعد الانفراد؛ لأنّ الوقت الواحد يصلح وقتًا الإيمان كثيرة.

وألا ترى أنّ الرجل يقول: والله لا أكلّم فلانًا شهراً، ولا أدخل هذه الدّار شهراً، ولا آكل هذا الطّعام شهراً، فمضى شهر واحد ينتهي الإيمان كلّها، فكذلك ههنا إذا مضى شهران، فقد مضت مدّة كلّ واحدة من اليمنين، فيمكنه قربان امرأته في مدّة الإيلاء بغير شيء يلزمه، فلا يصير مولياً، بخلاف قوله: (وشهرين)، فإنّه لما لم يفرد مدة الثّانية يبقى على حدة صار الكلّ مدة واحدة.

ألا ترى أن من قال: بعت منك العبد بألف درهم إلى شهر وشهر، أنّه بمنزلة قوله: (إلى شهرين)، وكذلك لو قال: لا أكلمك يومًا ويومين، أنّه بمنزلة قوله: إلى ثلاثة أيّام.


(١) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٢٠٦).