للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(وَالْيَمِينُ بَاقِيَةٌ)، أي: بعد التّطليقات الثلاث، ثم علّل لبقاء اليمين بوصفين: وهما إطلاق اليمين، أي: لم يقيّد يمينه شيء من الأوقات حتّى ينقضي اليمين بانقضاء ذلك الوقت، بل قال: (وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك، أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك) أبدًا، والثاني: عدم الحنث، أي: الحنث معدوم؛ لأنّ الكلام فيما إذا لم يطأها، ولفظ الكتاب: وعدم الحنث بالجرّ بالعطف على لإطلاقها، فإن حلف على أقلّ من أربعة أشهر لم يكن مولياً.

وقال ابن أبي ليلى (١): هو قول إن تركها أربعة أشهر بانت بتطليقة، هكذا كان يقول أبو حنيفة -رحمه الله- (٢) في الابتداء، فلما بلغه فتوى ابن عبّاس -رضي الله عنه-: لا إيلاء فيما دون أربعة أشهر (٣) رجع عن قوله، وابن أبي ليلى استدلّ بظاهر الآية، قال الله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} (٤) الآية، والإيلاء هو اليمين فتقييد اليمين عدّة أربعة أشهر تكون زيادة، ولكنّا نقول: المولي من لا يملك قربان امرأة في المدّة إلا بشيء يلزمه، وإذا عقد يمينه على شهر فهو يتمكّن من قربانها بعد مضي الشّهر من غير أن يلزمه شيء، فلم يكن مولياً، كما لو ترك مجامعتها في المدّة من غير يمين -كذا في «المبسوط» (٥) -؛ ولأنّ الامتناع عن قربانها في أكثر المدّة بلا مانع، هذا التعليل على تقدير وضع صورة المسألة في شهر واحد، كما حكينا من رواية «المبسوط» (٦)، فعلى هذا يكون الامتناع في أكثر مدّة الإيلاء، وهو ثلاثة أشهر، بلا يمين يمنعه عن القربان.

فلا يكون مولياً كما أنّه لو لم يقربها أربعة أشهر أو أكثر أو أقلّ بلا يمين لا يقع الطّلاق بمضي أربعة أشهر، أو نقول المراد من أكثر المدّة هو أربعة أشهر، وأربعة أشهر أكثر من المدّة التي حلف عليها، وهي ثلاثة أشهر أو ما هو أقلّ من أربعة أشهر مطلقاً، وفي أربعة أشهر الإيلاء معدوم؛ لأن الكلام فيما إذا كان حلفه في أقلّ من أربعة أشهر، فيصحّ قوله: أنّ الامتناع في أكثر المدة بلا يمين لا يوجب وقوع الطّلاق بالإجماع، فإنّه لو لم يقربها أبدًا بدون الإيلاء لا يقع الطّلاق بمضيّ أربعة أشهر. لفظ الأكثر وقع مقحماً.


(١) ينظر: المبسوط للسرخسي (٧/ ٢٢)، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٢/ ٢٦٤).
(٢) ينظر: المبسوط للسرخسي (٧/ ٢٢)، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٢/ ٢٦٤).
(٣) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (باب ما قالوا في الرجل يولي دون أربعة أشهر/ ١٨٥٨٨)، وقال ابن حجر: "إسناده صحيح". ينظر: الدراية في تخريج أحاديث الهداية (٢/ ٧٤).
(٤) [البقرة: ٢٢٦].
(٥) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٧/ ٢٢).
(٦) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٧/ ٢٢).