للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد ذكر هنا ابتداء الإيلاء من وقت التزوج، علم أنّ التزوّج كان بعد انقضاء العدّة، وفي العيون: إذا قال لها: والله لا أقربك سنة، فمضى أربعة أشهر، ولم يقربها حتّى بانت منه، ثم تزوّجها، ثم مضت أربعة أشهر أخرى بانت -أيضاً-، فإن تزوّجها ثالثاً لا يقع شيء؛ لأنّه لم يبق من السنة بعد هذا التزوّج أربعة أشهر -كذا في «المحيط» (١) -.

قوله -رحمه الله-: ويعتبر ابتداء هذا الإيلاء من وقت التزوّج، وإنما قيّد بقوله: هذا الإيلاء لما ذكرنا أن هذا الإيلاء الثّاني إنّما انعقد بعد انقضاء العدّة بالتزوّج، فكان هذا احترازاً عن انعقاد الإيلاء الثّاني قبل انقضاء العدّة، فإن اعتبار ذلك الإيلاء من وقت الطّلاق لا من وقت التزوّج، لما ذكرنا من رواية الإمام التمرتاشي، وكذا ذكر في «الفتاوى الظّهيريّة» (٢)، وقال: وَلَوْ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ تُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ مِنْ وَقْتِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ، وهي فرع مسألة التنجيزالخلافيّة، وقد مرّ من قبل، أي: في باب الأيمان في الطّلاق، وهو قوله: ولو قال لها: إن دخلت الدّار فأنت طالق ثلاثاً، ثم قال لها: أنت طالق ثلاثاً، إن قال: فدخلت الدّار لم يقع شيء، وقال زفر: يقع الثّلاث.

وفي «المبسوط»: وَإِذَا آلَى الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ أَنَّهُ لَا يَقْرَبُهَا أَبَدًا، ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بَطَلَ الْإِيلَاءُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ طَلَاقٌ مُؤَجَّلٌ، فَإِنَّمَا يَنْعَقِدُ عَلَىالتَّطْلِيقَاتِ الْمَمْلُوكَةِ وَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْهَا بَعْدَ وُقُوعِ الثَّلَاثِ عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ بَانَتْ بِالْإِيلَاءِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ، لَمْ يَكُنْ مُولِيًا إلَّا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ، وَإِنْ قَرُبَهَا كَفَّرَ يَمِينَهُ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ فِي حُكْمِ الطَّلَاقِ لِنَفَاذِ مِلْكِ الطَّلَاقِ، فَقَدْ بَقِيَتْ الْيَمِينُ، فَإِذَا قَرُبَهَا تَمَّ شَرْطُ الْحِنْثِ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ بَقَاءِ الْيَمِينِ حُكْمُ الْإِيلَاءِ، كَمَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك، ثُمَّ تَزَوَّجَهَالَمْ يَكُنْ مُولِيًا، وَإِنْ قَرُبَهَا كَفَّرَ يَمِينَهُ (٣).


(١) ينظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٣/ ٤٤٦).
(٢) الفتاوى الظهيرية: لظهير الدين، أبي بكر: محمد بن أحمد القاضي الحنفي المتوفى: سنة ٦١٩ هـ، ذكر فيها: أنه جمع كتاباً من الواقعات والنوازل، مما يشتد الافتقار إليه، وفوائد غير هذه، والكتاب في الفقه الحنفي وهو غير مطبوع فيما أعلم. ينظر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (٢/ ١٢٢٦).
(٣) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٧/ ٣٠).